96ـ مع الحبيب المصطفى: «أوعك كما يوعك رجلان منكم»

96ـ مع الحبيب المصطفى: «أوعك كما يوعك رجلان منكم»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

96ـ «أوعك كما يوعك رجلان منكم»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: الإنسانُ في الحَياةِ الدُّنيَا يَتَقَلَّبُ في حَياتِهِ مِن صِحَّةٍ إلى مَرَضٍ، ومِن مَرَضٍ إلى صِحَّةٍ، ومِن بُؤسٍ إلى سُرُورٍ، ومِن سُرُورٍ إلى بُؤسٍ، ومن عُسرٍ إلى يُسرٍ، ومن يُسرٍ إلى عُسرٍ، ومن أمنٍ إلى خُوفٍ، ومن خَوفٍ إلى أمنٍ، فهوَ لا يَدُومُ على حَالٍ واحِدٍ في حَيَاتِهِ الدُّنيا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمَّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾. وقال تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير﴾.

ولا يُمكِنُ أن يَنجُوَ عَبدٌ في هذِهِ الحياةِ الدُّنيَا مِنَ البَلاءِ، بَرَّاً كانَ أم فاجِرَاً، قال تعالى: ﴿إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾. وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً﴾.

«أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُم»:

أيُّها الإخوة الكرام: مِن جُملَةِ الأحوَالِ التي تُصِيبُ الإنسانَ الأمراضُ والأسقامُ والابتلاءَاتُ، وهذِهِ الابتلاءَاتُ ليست على حَدٍّ سواءٍ فيمَا يَتَعَلَّقُ بأَصحَابِهَا، فَمِنَ النَّاسِ مَن يَكُونُ البَلاءُ عليهِ لِرَفعِ دَرَجَاتِهِ عندَ الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم﴾. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ «إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِن الله مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ الله فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ» رواه الإمام أحمد عن محمد بنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ .

فهذا سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصِيبُهُ المَرَضُ، ويُوعَكُ فيهِ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ من الأمَّةِ، روى الشيخان عن ابْن مسْعُود رضي اللهُ عنه قَالَ: دَخلْتُ عَلى النَبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُو يُوعَكُ.

فَقُلْتُ: يا رسُولَ الله، إِنَّكَ تُوعكُ وَعْكاً شَدِيداً.

قال: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُم».

قُلْتُ: ذلك أَنَّ لَكَ أَجْرَيْن؟

قال: «أَجَلْ ذَلك، كَذَلك مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذىً شوْكَةٌ فَمَا فوْقَهَا إلا كَفَّرَ اللهُ بهَا سَيِّئاتِهِ، وَحُطَّتْ عنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرقَهَا».

وروى الحَاكم عَن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الرَّجُلَ تَكُونُ لَهُ المَنزِلَةُ عِندَ الله فَمَا يَبلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَلَا يَزَالُ يَبتَلِيهِ بِمَا يَكرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إيَّاهَا».

وقَد تَكُونُ هذِهِ الابتلاءَاتُ والأسقَامُ والأمراضُ سَبَبَاً لِتَكفِيرِ الذُّنُوبِ، كَمَا جاءَ في الحديثِ الشَّرِيفِ المتَّفَقِ عليه عنْ أَبي سَعيدٍ وأَبي هُرَيْرة رضي اللهُ عَنْهُمَا، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حَزَن وَلا أَذىً وَلا غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلا كفَّر اللهُ بهَا مِنْ خطَايَاه». وروى الإمام البخاري عنْ أَبي هُرَيرة رضيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ».

ويُبتَلى الرَّجُلُ على قَدْرِ دِينِهِ، كما جَاءَ في الحَدِيث الشَّرِيفِ الذي رواهُ الإمامُ أحمد عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟

قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، حَتَّى يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ ذَاكَ، فَإِنْ كَانَ صُلْبَ الدِّينِ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَاكَ ـ وَقَالَ مَرَّةً أَشَدُّ بَلَاءً ـ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَاكَ ـ وَقَالَ مَرَّةً عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ـ فَمَا تَبْرَحُ الْبَلَايَا عَنْ الْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ فِي الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ».

وروى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ».

المؤمنُ ليسَ كالكافِرِ أبَدَاً:

أيُّها الإخوة الكرام: كُونُوا على يَقِينٍ بِأنَّ المُؤمِنَ ليسَ كالكَافِرِ أبدَاً في حَيَاتِهِ الدُّنيَا، كما جاءَ في الحدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِن الزَّرْعِ ـ الطَّاقَةُ وَالْقَصَبَةُ اللَّيِّنَةُ مِن الزَّرْعِ ـ  مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا ـ أَمَالَتْها ـ فَإِذَا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ بِالْبَلَاءِ ـ رُجُوعَاً إلى وَصفِ الُمسلِمِ أي: تَنقَلِبُ  ـ، وَالْفَاجِرُ كَالْأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللهُ ـ يَكسِرَهَا ـ إِذَا شَاءَ».

الكَافِرُ قَد يُبتَلى بالصِّحَّةِ في جَسَدِهِ، والسَّعَةِ في مَالِهِ، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين﴾. وقال تعالى: ﴿وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُون * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُون * وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِين﴾.

تَعَامُلُ اللهِ تعالى مَعَ الكَافِرِ في حَيَاتِهِ الدَّنيا ليس كَتَعَامُلِهِ مَعَ المُؤمِنِ، قال تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيد * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾. وقال تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُون﴾.

وإذا ابتُلِيَ العَبدُ الكَافِرُ بالأمراضِ والأسقَامِ وغَيرِهَا من الابتلاءَاتِ فإنَّهَا لا تُكَفِّرُ ذُنُوبَهُ مَا دَامَ كافِرَاً، قال تعالى: ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد * لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ الله مِن وَاق﴾.

خُذ من صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ:

أيُّها الإخوة الكرام: شَأنُ الإنسانِ المُؤمِنِ الذي جَعَلَهُ اللهُ تعالى على بَصِيرَةٍ مِن أمرِهِ، عَرَفَ أنَّهُ في هذهِ الحياةِ الدُّنيا لَن يَكُون على حالٍ وَاحِدَةٍ، لِذلِكَ هو يأخُذُ من شَبَابِهِ لِهَرَمِهِ، ومن صِحَّتِهِ لِسَقَمِهِ، ومِن غِنَاهُ لِفَقرِهِ، ومِن فَرَاغِهِ لِشُغلِهِ، ومِن حَياتِهِ لمَا بعدَ مَوتِهِ، كما جاء في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الحاكم عن ابن عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ، شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِك، وصحَّتك قبل سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغك قَبْلَ شُغْلِكَ، وحَيَاتكَ قَبْلَ مَوْتِكَ».

وروى الإمام البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْراً؟

قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَت الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ».

«وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذا نَهَشَهُ هَذا»:

أيُّها الإخوة الكرام: خُذُوا مِن صِحَّتِكُم لِمَرَضِكُم قَبلَ أن تُعْرِضَكُمُ الأعراضُ، وقبلَ أن تَنخَرَ أجسامَكُمُ الأمراضُ، فقد جاءَ في الحديثِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإمام البخاري عن ابن مَسعُودٍ رضيَ اللهُ عنه قال: خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَطَّاً مُرَبَّعاً، وخَطَّ خَطّاً في الْوَسَطِ خَارِجاً منْهُ، وَخَطَّ خُطَطاً صِغَاراً إِلى هَذَا الَّذِي في الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي في الوَسَطِ، فَقَالَ: «هَذَا الإِنسَانُ ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطاً بِهِ أو قَد أَحَاطَ بِهِ وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الُخطَطُ الصِّغَارُ الأَعْراضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا، نَهَشَهُ هَذا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذا نَهَشَهُ هَذا».

أيُّها الإخوة الكرام: لا بُدَّ أن تَنهَشَ الإنسانَ أمورٌ في هذِهِ الحياةِ الدُّنيَا حتَّى يَأتِيَ أجَلُهُ، لأنَّهُ مَهمَا طَالَ العُمُرُ أو قَصُرَ فلا بُدَّ مِنَ المَوتِ، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُور﴾. وقال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام﴾. وقال تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾. وقال تعالى عن مُؤمِنِ آلِ فِرعَون عِندَمَا خَاطَبَ قَومَهُ: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَار﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

 أيُّها الإخوة الكرام: كُونُوا على يَقِينٍ بأنَّ كُلَّ شَيءٍ بِقَضَاءِ الله تعالى وقَدَرِهِ، قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر﴾. وقال تعالى: ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّار﴾.

فلا يَجُوزُ للإنسانِ أن يَشغَلَهُ أمرٌ مِنَ الأُمُورِ عنِ المُهِمَّةِ التي خُلِقَ من أجلِهَا، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُون﴾. وقال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور﴾.

فإذا كُنتَ في نِعمَةٍ فَكُن شاكِراً، وإذا كُنتَ في بَليَّةٍ فكُن صَابِراً، حتى يأتِيَكَ المَوتُ وأنت على إحدَى الحَالتينِ، الشُّكرِ أو الصَّبرِ، فإن خُتِمَ لكَ على الشُّكرِ نَجَوتَ إن شاءَ اللهُ تعالى، وإلَّا نَدِمتَ، وإن خُتِمَ لكَ على الصَّبر نَجَوتَ إن شَاءَ اللهُ تعالى، وإلا نَدِمتَ.

اللَّهُمَّ اجعلنَا منَ الشَّاكرِينَ عِندَ الرَّخَاءِ، ومنَ الصَّابِرِينَ عِندَ البَلاءِ، ومِنَ الرَّاضِينَ بِمُرِّ القَضَاءِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 16/صفر/1435هـ، الموافق: 19/كانون الأول / 2013م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2341 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2341
20-06-2019 1388 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1388
28-04-2019 1171 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1171
28-04-2019 1183 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1183
21-03-2019 1788 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1788
13-03-2019 1664 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1664

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413461191
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :