101ـ مع الحبيب المصطفى: «أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ»

101ـ مع الحبيب المصطفى: «أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

101ـ «أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: أعظَمُ نِعمَةٍ مَنَّها اللهُ تعالى على عِبادِهِ هيَ هِدايَتُهُم للإسلامِ، قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين﴾. وقال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَينا أن نَعرِفَ قَدْرَ هذهِ النِّعمَةِ، وأن نُقَدِّرَها حَقَّ تَقديرِها، وأن نَشكُرَ اللهَ تعالى عَلَيها قَائِمينَ وقَاعِدينَ ومُضطَجِعينَ، وفي كُلِّ لَحظَةٍ من لَحَظاتِ حَياتِنا.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد ضَلَّ كَثيرٌ من النَّاسِ عن هذا الحَقِّ، وعَمُوا وصَدُّوا عنهُ رَغمَ وُضوحِهِ، ولكنْ حَالَ اللهُ تعالى بَينَهُم وبَينَ  ذلكَ لِما لَهُ من الحِكمَةِ العَظيمَةِ، والحُجَّةُ لله على خَلقِهِ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُون﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الحَياةَ الطَّيِّبَةَ لا تَكونُ طَيِّبَةً إلا بالشَّرعِ الحَنيفِ الذي أكرَمَنا اللهُ عزَّ وجلَّ به، فَشَرْعُ الله تعالى هوَ الذي يُعطيكَ الحَياةَ الطَّيِّبَةَ، حَياةَ هَناءٍ وسَعادَةٍ في الدُّنيا والآخِرَةِ، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾.

عِيادَةُ المَريضِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد مَنَّ اللهُ تعالى عَلَينا بِشَرْعٍ عَظيمٍ عَرَفَ قَدْرَ الإنسانِ وقِيمَتَهُ، وجَعَلَ بَينَ الأفرادِ حُقوقاً من أجلِ زِيادَةِ الرَّابِطَةِ بَينَهُم، من جُملَةِ هذهِ الحُقوقِ عِيادَةُ المَريضِ.

فقد حَرَّضَنا سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على عِيادَةِ المَريضِ بِقَولِهِ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وبِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي.

قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟

قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَاناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وبِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عُودُوا الْمَرِيضَ، وَامْشُوا مَعَ الْجَنَائِزِ تُذَكِّرْكُم الْآخِرَةَ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

أجْرُ عِيادَةِ المَريضِ:

أيُّها الإخوة الكرام: عِندَما جَعَلَ الشَّرْعُ الشَّريفُ عِيادَةَ المَريضِ من حَقِّ المُسلِمِ على أخيهِ المُسلِمِ، رَتَّبَ على القِيامِ بهذا الوَاجِبِ ثِماراً وأجْراً، منها:

أولاً: تَخوضُ في رَحمَةِ الله عزَّ وجلَّ:

روى الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا».

وفي رِوايَةٍ للإمام أحمد أيضاً عن هَارُونَ بْنِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ الْمَكَانَ بَعِيدٌ وَنَحْنُ يُعْجِبُنَا أَنْ نَعُودَكَ.

فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضاً فَإِنَّمَا يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ، فَإِذَا قَعَدَ عِنْدَ الْمَرِيضِ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ».

قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، هَذَا لِلصَّحِيحِ الَّذِي يَعُودُ الْمَرِيضَ، فَالْمَرِيضُ مَا لَهُ؟

قَالَ: «تُحَطُّ عَنْهُ ذُنُوبُهُ».

ثانياً: يَمشي معَكَ سَبعونَ مَلَكٍ:

روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ الله بْنِ نَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: عَادَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَعَائِداً جِئْتَ أَمْ زَائِراً؟

فَقَالَ أَبُو مُوسَى: بَلْ جِئْتُ عَائِداً.

فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً بَكَراً شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ كُلُّهُمْ يَسْتَغْفِرُ لَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ عَادَهُ مَسَاءً شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ كُلُّهُمْ يَسْتَغْفِرُ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ» يعني: له ثِمارٌ في الجَنَّةِ.

ثالثاً: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ:

روى الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا عَادَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ أَوْ زَارَهُ ـ قَالَ حَسَنٌ: فِي الله عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ من الْجَنَّةِ مَنْزِلاً».

رابعاً: لَكَ خُرفَةُ الجَنَّةِ:

روى الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟

قَالَ: «جَنَاهَا».

آدابُ عِيادَةِ المَريضِ:

أيُّها الإخوة الكرام: عِندَما يَقومُ أحَدُنا بهذا الوَاجِبِ ما الذي يَجِبُ عَلَيهِ تُجاهَ أخيهِ المَريضِ؟ عَلَيهِ أن يَلتَزِمَ آدابَ زِيارَةِ المَريضِ:

أولاً: أن لا تُطيلَ الجُلوسَ عِندَهُ:

من آدابِ زِيارَةِ المَريضِ، أن لا تُطيلَ الجُلوسَ عِندَهُ، وتَكونَ عِيادَتُهُ كَجِلسَةِ الخَطيبِ يَومَ الجُمُعَةِ بَينَ الخُطبَتَينِ في قِصَرِها وخِفَّتِها، قالَ بَعضُهُم:

حُسنُ  العِيادَةِ يَومٌ بَينَ يَوْمينِ    ***   وجِلسَةٌ لَكَ مِثْلُ اللَّحْظِ بالعَينِ

لا تُبْرِمَنَّ مَـريـضاً في مُـساءَلَةٍ   ***    يَكفيكَ من ذَاكَ تَسْألْهُ بِحَرفَينِ

ويَقولُ بَعضُ الشُّعَراءِ:

لَا تُـضْـجِرَنَّ عَـلِيلاً فِي مُسَاءَلَةٍ   ***   إنَّ الْـعِيَـادَةَ يَـوْمٌ بَـيْـنَ يَوْمَيْنِ

بَلْ سَلْهُ عَنْ حَالِهِ وَادْعُ الْإِلَهَ لَهُ   ***   وَاجْلِسْ بِقَدْرِ فُوَاقٍ بَيْنَ حَلْبَيْنِ

مَنْ زَارَ غِبَّـاً أَخـاً دَامَـتْ مَوَدَّتُهُ   ***   وَكَانَ ذَاكَ صَلَاحاً لِـلْـخَلِيلَيْنِ

ثانياً: الدُّعاءُ للمَريضِ:

بَعدَ الدُنُوِّ منهُ، يَضَعُ يَدَهُ على جِسمِهِ، ويَسألُهُ عن حَالِهِ، ويَدعو لهُ، كما جاء في الحديث الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضاً لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلَّا عُوفِيَ».

وروى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِب الْبَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَماً».

ثالثاً: أن يَقولَ للمَريضِ: لا بَأسَ، طَهورٌ إن شاءَ اللهُ:

روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ؛ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: «لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ».

وفي رِوايَةِ الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ وَهُوَ مَحْمُومٌ فَقَالَ: «كَفَّارَةٌ وَطَهُورٌ».

رابعاً: أن يَستَصحِبَ مَعَهُ عِندَ الزِّيارَةِ مَا يَستَروِحُ به المَريضُ، كَفَاكِهَةٍ ورَيحانٍ، ما لم يَكُن الطَّبيبُ يَمنَعُ من ذلكَ.

خامساً: أن يَتَصَدَّقَ عَلَيهِ إذا كانَ مُحتاجَاً، فَلَرُبَّما كانَ المَريضُ بِحَاجَةٍ إلى دَواءٍ أو أُجرَةِ طَبيبٍ ومُستشفَى وتَصاوِيرَ وتَحالِيلَ وما شَابَهَ ذلكَ.

سادساً: أن يُطعِمَ المَريضَ ما يَشتهيهِ:

روى ابن ماجه عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلاً فَقَالَ: «مَا تَشْتَهِي؟».

قَالَ: أَشْتَهِي خُبْزَ بُرٍّ.

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ خُبْزُ بُرٍّ فَلْيَبْعَثْ إِلَى أَخِيهِ».

ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اشْتَهَى مَرِيضُ أَحَدِكُمْ شَيْئاً فَلْيُطْعِمْهُ». هذا إذا كانَ لا يَضُرُّهُ، أما إذا كانَ فيه ضَرَرٌ له فَليُسَوِّفْهُ عنهُ بِرِفقٍ ولا يُؤذيهِ.

وليسَ له أن يُكرهَهُ على تَناوُلِ شَيءٍ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ، فَإِنَّ اللهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ» رواه الترمذي وابن ماجه عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

سابعاً: أن يُطَيِّبَ نَفْسَ المَريضِ ويُنَفِّسَ لهُ في أَجَلِهِ:

روى الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئاً وَيُطَيِّبُ نَفْسَهُ».

ثامناً: الثَّناءُ على المَريضِ بِمَحَاسِنِ أَعمالِهِ:

روى الإمام أحمد عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أنَّهُ قالَ لِسَيِّدِنا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ حِينَ طُعِنَ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، صَاحَبْتَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَطَلْتَ صُحْبَتَهُ، وَوُلِّيتَ أَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَوِيتَ وَأَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ.

فَقَالَ: أَمَّا تَبْشِيرُكَ إِيَّايَ بِالْجَنَّةِ فوالله لَوْ أَنَّ لِي.

قَالَ عَفَّانُ: فَلَا والله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ أَنَّ لِي الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ مَا أَمَامِي قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ الْخَبَرَ، وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي أَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ فوالله لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافاً لَا لِي وَلَا عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ نَبِيِّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ.

تاسعاً: أن يُرَغِّبَهُ بالتَّوبَةِ وكَثرَةِ الاستِغفارِ، وبِعَظيمِ رَحمَةِ الله تعالى وعَفوِهِ، وأن يُحسِنَ الظَّنَّ بالله تعالى، فاللهُ تعالى عِندَ حُسنِ ظَنِّ عَبدِهِ به، وأن يُذَكِّرَهُ بِوَصِيَّتِهِ، وخاصَّةً إذا كانَت وَاجِبَةً عَلَيهِ من حُقوقٍ عَلَيهِ إن كانَت لله عزَّ وجلَّ أو للعِبادِ.

عاشراً: أن يَطلُبَ الدُّعاءَ منهُ:

روى الطَّبرانِيُّ في الأوسَطِ عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عُودوا المَرضَى، ومُروهُم فَلْيَدعُوا لَكُم، فإنَّ دَعوَةَ المَريضِ مُستَجَابَةٌ، وذَنبَهُ مَغفورٌ».

ولِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلْتَ عَلَى مَرِيضٍ فَمُرْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَكَ، فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ» رواه ابن ماجه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ولِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لا تُرَدُّ دَعوَةُ المَريضِ حتَّى يَبرَأَ» رواه البيهقي عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

 أيُّها الإخوة الكرام: حَافِظوا على نِعمَةِ الإسلامِ، وذلكَ من خِلالِ الالتِزامِ بما شَرَعَ اللهُ تعالى لنا، والتي من جُملَتِها القِيامُ بالوَاجِبِ تُجاهَ المُسلِمِ المَريضِ إن كانَ قَريباً أم بَعيداً.

أسألُ اللهُ تعالى أن يُعَجِّلَ بالفَرَجِ والشِّفاءِ لِجَميعِ مَرضى المُسلِمينَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 8/ربيع الأول/1435هـ، الموافق: 9/كانون الثاني / 2014م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2341 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2341
20-06-2019 1387 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1387
28-04-2019 1170 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1170
28-04-2019 1183 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1183
21-03-2019 1783 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1783
13-03-2019 1655 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1655

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413244777
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :