طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولًا: يُسْتَحَبُّ لِلإِنْسَانِ الجُنُبِ أَنْ يُبَادِرَ بِالغُسْلِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ: جِيفَةُ الْكَافِرِ، وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ، وَالْجُنُبُ، إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ» رواه أبو داود عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهُ، بَلْ يُكْرَهُ لَهُ فَقَطْ.
المَقْصُودُ بِالمَلَائِكَةِ هُنَا هُمُ النَّازِلُونَ بِالبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ لا الكَتَبَةُ، فإِنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ المُكَلَّفِينَ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ»: هُوَ طِيبٌ يُتَّخَذُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ، وَهُوَ طِيبٌ للنِّسَاءِ.
ثانيًا: مَوْتُ الإِنْسَانِ وَهُوَ جُنُبٌ لَا يَدُلُّ عَلَى سُوءِ خَاتِمَتِهِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى فِسْقِهِ وَفُجُورِهِ، مَا دَامَ قَدْ أَجْنَبَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمُعَاشَرَةِ زَوْجَتِهِ، أَو بِالاحْتِلَامِ.
وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا، أَنَّ سَيِّدَنَا حَمْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَاتَ جُنُبًا، روى الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قُتِلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جُنُبًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ».
وَكَذَلِكَ سَيِّدُنَا حَنْظَلَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، روى الحاكم عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ قَتْلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ بَعْدَ أَنِ الْتَقَى هُوَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ حِينَ عَلَاهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ».
فَسَأَلُوا صَاحِبَتَهُ فَقَالَتْ: إِنَّهُ خَرَجَ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ ـ أَي الصَّوْتَ الُمفْزِعَ ـ وَهُوَ جُنُبٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمَنْ مَاتَ جُنُبًا لَا دَلِيلَ في ذَلِكَ عَلَى سُوءِ خَاتِمَتِهِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ؛ وَيُغَسَّلُ غُسْلًا وَاحِدًا لَا غُسْلَيْنِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |