20ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: أثر الإيمان في نفوس آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

20ـ أثر الإيمان في نفوس آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾. ويَقُولُ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَن اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئَاً، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئَاً».

فاللهُ تَبَارَكَ وتعالى غَنِيٌّ عَنَّا، ونَحنُ الفُقَرَاءُ المُحْتَاجُونَ إِلَيهِ، وإِنَّ أَحْوَجَ مَا نَحْتَاجُ إِلَيهِ في حَيَاتِنَا الدُّنيَا، وفي حَيَاتِنَا الأُخْرَى، هوَ الإِيمَانُ باللهِ تعالى، لأَنَّهُ لا نَجَاحَ لَنَا ولا فَلاحَ، ولا سَعَادَةَ ولا طُمَأْنِينَةَ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، ولا في الآخِرَةِ، ولا في أَنْفُسِنَا، ولا في أُسَرِنَا ومُجْتَمَعِنَا، إلا بالإِيمَانِ باللهِ تَبَارَكَ وتعالى.

أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا عزَّ وجلَّ لَمْ يَتْرُكْنَا هَمَلاً، ولَمْ يَدَعْنَا عَبَثَاً، بَل أَرْسَلَ إِلَينَا رَسُولاً بَيَّنَ لَنَا الإِيمَانَ، وأَوْضَحَ لَنَا الطَّرِيقَ، وأَبَانَ لَنَا الحُجَّةَ، وبَيَّنَ لَنَا مَا يُسْعِدُنَا في الدُّنيَا والآخِرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقَاً﴾.

أَثَرُ الإِيمَانِ في نُفُوسِ آلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم:

أيُّها الإخوة الكرام: الإِيمَانُ الصَّادِقُ إذا رَسَخَ في النَّفْسِ الصَّادِقَةِ، واليَقِينُ الكَامِلُ إذا انْصَهَرَ في النَّفْسِ الكَامِلَةِ، فَإِنَّهُ يَهَبُهَا كَمَالاً لَمْ تَعْرِفْهُ البَشَرِيَّةُ لأَنَّهُ لا يَتَكَرَّرُ، ونَمُوذَجَاً تَحَارُ بِهِ العُقُولُ والأَفْهَامُ لأَنَّهُ فَوقَ مَا نَتَصَوَّرُ.

أيُّها الإخوة الكرام: أُمُّنَا السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها تَخَلَّلَ حُبُّ اللهِ تعالى، وحُبُّ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في قَلْبِهَا وكَيَانِهَا، فَصَفَا قَلْبُهَا وأَشْرَقَ وتَحَرَّرَ، وسَمَا بِهَا حَتَّى أَصْبَحَتْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ العَالَمِينَ، رَضِيَ اللهُ عَنها وأَرْضَاهَا، وصَارَتْ حَبِيبَةَ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، بَل وأَرْسَلَ إِلَيهَا السَّلامَ رَبُّ العَالَمِينَ تَبَارَكَ وتعالى.

هذهِ السَّيِّدَةُ الجَلِيلَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها بِبَرَكَةِ إِيمَانِهَا الرَّاسِخِ في قَلْبِهَا، وذلكَ من خِلالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. ومن خِلالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾. ومن خلالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ» رواه الإمام أحمد عَن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. لَمْ تُبَالِ بِمَكَائِدِ الشَّيْطَانَةِ حَمَّالَةِ الحَطَبِ أُمِّ قَبِيحٍ، ولا غَلْوَاءِ زَوْجِهَا الحَقُودِ أَبِي لَهَبٍ، يَومَ أَنْ أَقْسَمَا على وَلَدَيْهِمَا عُتْبَةَ وعُتَيْبَةَ أَنْ يُطَلِّقَا ابْنَتَيْهَا رُقَيَّةَ وأُمَّ كُلْثُومَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، مَضَارَّةً لَهَا وكُرْهَاً، وتَسْفِيهَاً لِدَعْوَةِ زَوْجِهَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وتَكْذِيبَاً وزَجْرَاًَ.

طَلاقُ رُقَيَّةَ وأُمِّ كُلْثُومَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما:

أيُّها الإخوة الكرام: كَانَتِ السَّيِّدَةُ رُقَيَّةُ رَضِيَ اللهُ عَنها زَوْجَةَ عُتْبَةَ بنِ أَبِي لَهَبٍ، وأُخْتُهَا أُمُّ كُلْثُومَ رَضِيَ اللهُ عَنها زَوْجَةَ أَخِيهِ عُتَيْبَةَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾. قَالَ لَهُمَا أَبُو لَهَبٍ: رَأْسِي من رَأْسِكُمَا حَرَامٌ إِنْ لَمْ تُفَارِقَا ابْنَتَيْ مُحَمَّدٍ؛ وقَالَتْ أُمُّهُمَا حَمَّالَةُ الحَطَبِ: طَلِّقَاهُمَا يَا بَنِيَّ؛ فَطَلَّقَاهُمَا.

أيُّها الإخوة الكرام: نَحنُ نَعْلَمُ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّهُ لا شَيْءَ تَضِيقُ بِهِ الأُمُّ مِثْلُ طَلاقِ بَنَاتِهَا، الأُمُّ تَدْفَعُ وُقُوعَ ذلكَ بِكُلِّ مَا تَسْتَطِيعُ لَو وَجَدَتْ إلى ذلكَ سَبِيلاً، وتَجْزَعُ أَشَدَّ الجَزَعِ إذا وَقَعَ ذلكَ لِوَاحِدَةٍ من بَنَاتِهَا، فَمَا بَالُكُم بِوُقُوعِهِ لاثْنَتَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، دُونَ ذَنْبٍ لَهُمَا، إلا أَنَّ أَبَاهُمَا الكَرِيمَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ يَدْعُو إلى اللهِ تعالى، وأُمَّهُمَا صِدِّيقَةٌ طَاهِرَةٌ تُؤَازِرُ دِينَ اللهِ تعالى، وتَشُدُّ عَضُدَ زَوْجِهَا وحَبِيبِهَا الذي اصْطَفَاهُ اللهُ تعالى.

أيُّها الإخوة الكرام: أُمُّنَا السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها صَاحِبَةُ الإِيمَانِ الكَامِلِ باللهِ تعالى، صَاحِبَةُ الإِيمَانِ بالقَضَاءِ والقَدَرِ، صَاحِبَةُ الاعْتِقَادِ الرَّاسِخِ في قَلْبِهَا «عَجَبَاً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

لَمْ تُبَالِ بِطَلاقِ ابْنَتَيْهَا، بَل ولَمْ تُعَاتِبْ، وثَبَتَتْ على الحَقِّ مُوَاسِيَةً كَرِيمَتَيْهَا، ولَمْ تَهِنْ لِمَا أَصَابَهَا وأَصَابَهُمَا في سَبِيلِ اللهِ، ومَا ضَعُفَتْ ولا اسْتَكَانَتْ، وحَسْبُهَا وحَسْبُ وُجْدَانِهَا الطَّهُورِ، أَنَّهَا أَرْضَتِ اللهَ، وآمَنَتْ باللهِ، وصَبَرَتْ لأَمْرِ اللهِ، مُحْتَسِبَةً مَا تَلْقَاهُ هيَ ومَن تُحِبُّهُم عِنْدَ اللهِ تعالى، وبذلكَ كَانَتْ لَهَا تِلكَ المَكَانَةُ التي لَمْ تَنَلْهَا امْرَأَةٌ غَيْرُهَا عِنْدَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وفي قَلْبِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

بَل أُصَدِّقُ اللهَ ورَسُولَهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: لا غَرَابَةَ في هذا المَوقِفِ من أُمِّنَا السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها عِنْدَمَا طُلِّقَتْ ابْنَتَاهَا رُقَيَّةُ وأُمُّ كُلْثُومَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، لأَنَّهَا هيَ السَّيِّدَةُ الصَّبُورَةُ الصَّادِقَةُ الصِّدِّيقَةُ، لأَنَّهَا اسْتَقَتِ الصَّبْرَ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لأَنَّهَا صَاحِبَةُ الإِيمَانِ الرَّاسِخِ الذي بَلَغَ حَقَّ اليَقِينِ، فَهِيَ رَضِيَ اللهُ عَنها لا تُزَلْزِلُهَا الأَحْدَاثُ، ولا تَعْصِفُ بِهَا النَّوَازِلُ، مَهمَا كَانَتْ شَدِيدَةَ الوَطْأَةِ، مُثِيرَةً للوُجْدَانِ والعَوَاطِفِ.

أيُّها الإخوة الكرام: من مَظَاهِرِ إِيمَانِ هذهِ السَّيِّدَةِ الجَلِيلَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُا، لمَّا مَاتَ وَلَدُهَا القَاسِمُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَمَا جَاءَ في الرَّوْضِ الأُنُفِ، دَخَلَ عَلَيهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بَعدَ المَبْعَثِ وهيَ تَبْكِي.

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَرَّتْ لُبَيْنَةُ القَاسِمِ، فَلَو كَانَ عَاشَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِضَاعَهُ لَهُوِّنَ عَلَيَّ.

فَقَالَ: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعَاً في الجَنَّةِ تَسْتَكْمِلُ رِضَاعَتَهُ».

فَقَالَتْ: لَو أَعْلَمُ ذَلِكَ لَهُوِّنَ عَلَيَّ.

فَقَالَ: «إِنْ شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ صَوْتَهُ في الجَنَّةِ».

فَقَالَتْ بَلْ أُصَدِّقُ اللهَ وَرَسُولَهُ. لُبَيْنَةٌ: هِيَ تَصْغِيرُ لَبَنَةٍ، تَعْنِي بَقَايَا اللَّبَنِ في صَدْرِهَا.

أيُّها الإخوة الكرام: مَا هذا الإِيمَانُ؟ ومَا هذا اليَقِينُ؟ سَيِّدَةٌ مَكْلُومَةٌ بِفَقْدِ وَلَدِهَا، سَيِّدَةٌ مُلْتَاعَةٌ حِينَ دَرَّ ثَدْيُهَا بِلَبَنِهَا، سَيِّدَةٌ بَكَتْ رَحْمَةً وحُزْنَاً وشَوْقَاً إلى وَلَدِهَا الرَّضِيعِ، الذي بَاعَدَ المَوْتُ بَيْنَها وبَيْنَهُ، سَيِّدَةٌ يَعْرِضُ عَلَيهَا الصَّادِقُ المَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنْ يُسْمِعَهَا صَوْتَ وَلَدِهَا في الجَنَّةِ، لا تُغَلِّبُ لَهْفَةَ الشَّوْقِ، ولا الحَنِينَ المُعْتَصِرَ لِدُمُوعِهَا على عُمْقِ يَقِينِهَا، وصِدْقِ إِيمَانِهَا، فَتَأْبَى أَنْ تَسْمَعَ صَوْتَهُ وهوَ في الجَنَّةِ، بَل تَتَسَامَى إلى أُفُقِ يَقِينِهَا وبُشْرَى زَوْجِهَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

لقد كَرِهَتْ رَضِيَ اللهُ عَنها أَنْ تُؤْمِنَ بهذا الأَمْرِ مُعَايَنَةً، فلا يَكُونُ لَهَا أَجْرُ التَّصْدِيقِ والإِيمَانِ بالغَيْبِ، لقد كَانَتْ حَرِيصَةً على أَنْ تَنَالَ أَجْرَ المُصِيبَةِ، مَعَ أَجْرِ الإِيمَانِ بالغَيْبِ الذي وَصَفَ اللهُ تعالى بِهِ عِبَادَهُ المُتَّقِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: أَيُّ أُمٍّ غَيْرِ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها لَو سَمِعَتْ مِثْلَ هذا العَرْضِ تَأْبَاهُ؟ إِنَّ أَيَّ أُمٍّ غَيْرِ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها عِنْدَمَا تَسْمَعُ مِثْلَ هذا العَرْضِ تُسْرِعُ إلى طَلَبِ تَحْقِيقِهِ، تُرِيدُ أَنْ تَسْمَعَ صَوْتَ طِفْلِهَا الرَّاحِلِ الذي لَنْ يَعُودَ أَبَدَاً، بَل تُلِحُّ في ذلكَ.

ولَكِنَّ السَّيِّدَةَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها مَا الْتَهَفَتْ، ولا أَلَحَّتْ، لأَنَّ سَكِينَةَ الإِيمَانِ الرَّاسِخِ قَهَرَتْ شَوْقَ الأُمِّ اللَّهْفَى، فَانْطَلَقَ إِيمَانُهَا قَبلَ لِسَانِهَا يقُولُ في رَاحَةِ المُؤْمِنِ الذي يُصَدِّقُ خَبَرَ السَّمَاءِ، ولا تَشُوبُ تَصْدِيقَهُ رِيبَةٌ تَطْلُبُ البُرْهَانَ: بَل أُصَدِّقُ اللهَ وَرَسُولَهُ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ الإِيمَانَ باللهِ تعالى، والإِيمَانَ بالقَضَاءِ والقَدَرِ يَسْكُنُ القَلْبَ الجَائِشَ حِينَ تَدْلَهِمُّ الأُمُورُ، تَدَبَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغَاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَزِيدَ في إِيمَانِنَا حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَنَا إلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 25/رجب /1435هـ، الموافق: 14/أيار/ 2015م