طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالآيَاتُ الكَرِيمَاتُ الَّتِي فِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُكَلِّمُهُمْ، هِيَ أَنَّ هَذِهِ الكَلِمَاتِ كِنَايَاتٌ عَنْ شِدَّةِ الغَضَبِ، نَعُوذُ بِاللهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهَا بَيَانُ شِدَّةِ سَخَطِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ.
كَمَنْ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ كَلَامِهِ، فَيَقُولُ لَهُ: لَا أُكَلِّمُكَ، وَلَنْ أَرَى وَجْهَكَ، وَإِذَا ذُكِرَ أَمَامَهُ لَمْ يُذْكَرْ بِصِفَاتٍ حَمِيدَةٍ، وَكُلُّ هَذَا كِنَايَةٌ عَلَى سَخَطِهِ عَلَيْهِ.
وَبِهَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ﴾ أَيْ: بِكَلَامٍ يَسُرُّهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ وَيُسْعِدُهُمْ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بِالإِحْسَانِ وَالرَّحْمَةِ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَرَاهُمْ جَمِيعًا.
وَهُنَا تَجْدُرُ الإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ نَظَرَ اللهِ تَعَالَى إِلَى خَلْقِهِ لَيْسَ كَنَظَرِ البَشَرِ لِلْبَشَرِ، مِنْ تَقْلِيبِ الحَدَقَةِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ، بَلْ هَذَا مُنْدَرِجٌ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَبَّهَ الخَالِقُ بِالمَخْلُوقِ، تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، نُثْبِتُ للهِ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ بِدُونِ تَشْبِيهٍ وَلَا تَمْثِيلٍ وَلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا كَمَا قَالَ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَاتِهِ القُدْسِيَّةِ، الَّتِي لَا شَبِيهَ لَهَا وَلَا نَظِيرَ وَلَا مِثَالَ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ حَتَّى تَحْتَاجَ إلى تَوْفِيقٍ بَيْنَهَا، فَاللهُ تَعَالَى سَيُكَلِّمُ الجَمِيعَ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».
وَلَكِنْ شَتَانَ بَيْنَ كَلَامٍ وَكَلَامٍ، هُنَاكَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى مِمَّنْ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ تَعَالَى كَلَامًا يَنْفَعُهُمْ وَيَسُرُّهُمْ، بَلْ كَلَامٌ فِيهِ شِدَّةُ الغَضَبِ وَالسَّخَطِ، وَهُنَاكَ مَنْ يُكَلِّمُهُمْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ كَلَامًا يُسْعِدُهُمْ سَعَادَةً لَا شَقَاوَةَ بَعْدَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾. إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى رِضَا اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ؛ أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ.
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ تَعَالَى ابْتِدَاءً مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، بَلْ يُكَلِّمُهُمْ عَنْ طَرِيقِ المَلَائِكَةِ الكِرَامِ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى الرِّضَا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |