طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَتْفَ شَعْرِ الحَاجِبَيْنِ دَاخِلٌ في النَّمْصِ المَنْهِيِّ عَنْهُ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ».
أَمَّا إِذَا كَانَ شَعْرُ الحَاجِبَيْنِ مُنَفِّرًا فَيَجُوزُ أَخْذُ الزَّائِدِ المُنَفِّرِ فَقَطْ، وَزِينَةُ المَرْأَةِ لِزَوْجِهَا مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا بَلْ قَدْ تَدْخُلُ في الوُجُوبِ إِذَا كَانَتْ عَلَى طَلَبِ الزَّوْجِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخَالِفَ طَلَبُهُ مَحْظُورًا شَرْعِيًّا، وَفِي مَسْأَلَةِ نَتْفِ شَعْرِ الحَاجِبَيْنِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ».
وَكَذَلِكَ جَاءَ في صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا، فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا، فَقَالَ: «لَا، إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمُوصِلاتُ».
وَقَوْلُهَا: (فَتَمَعَّطَ شَعْرُ رَأْسِهَا) أَيْ خَرَجَ مِنْ أَصْلِهِ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ سَقَطَ شَعْرُهُ.
وَهَذَا الحَدِيثُ صَرِيحٌ في المَنْعِ وَلَوْ كَانَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في فَتْحِ البَارِي نَقْلًا عَنِ الطَّبَرِيِّ: (لَا يَجُوز لِلْمَرْأَةِ تَغْيِيرُ شَيْء مِنْ خِلْقَتِهَا الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ عَلَيْهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ اِلْتِمَاسَ الْحُسْنِ، لَا لِلزَّوْجِ وَلَا لِغَيْرِهِ، كَمَنْ تَكُونُ مَقْرُونَةَ الْحَاجِبَيْنِ فَتُزِيلُ مَا بَيْنهُمَا تَوَهُّمَ الْبَلَجِ، أَوْ عَكْسَهُ، وَمَنْ تَكُونُ لَهَا سِنٌّ زَائِدَةٌ فَتَقْلَعَهَا، أَوْ طَوِيلَةٌ فَتَقْطَعَ مِنْهَا، أَوْ لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ فَتُزِيلَهَا بِالنَّتْفِ، وَمَنْ يَكُونُ شَعْرُهَا قَصِيرًا أَوْ حَقِيرًا فَتُطَوِّلُهُ أَوْ تُغْزِرُهُ بِشَعْرِ غَيْرِهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ، وَهُوَ مِنْ تَغْيِير خَلْق اللهِ تَعَالَى) اهـ.
فَالنَّامِصَةُ وَالمُتَنَمِّصَةُ مَلْعُونَتَانِ بِنَصِّ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، وَأَنَا أَرَى وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ اللَّعْنَةَ سَبَبٌ كَبِيرٌ مِنْ أَسْبَابِ الخِلَافَاتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالنَّاسُ عَنْ هَذَا غَافِلُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا يَجُوزُ نَتْفُ شَعْرِ الحَاجِبِ وَلَوْ بِنَاءً عَلَى طَلَبِ الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخَالِقِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِ الشَّعْرِ الزَّائِدِ المُنَفِّرِ ـ فَقَطْ ـ مِنَ الحَاجِبَيْنِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |