22ـ تلقين الميت

22ـ تلقين الميت

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانُ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

تَلْقِينُ المَيْتِ:

لَقَدْ نَصَّ أَئِمَّةُ الفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ: عَلَى اسْتِحْبَابِ تَلْقِينِ المَيْتِ بَعْدَمَا يُدْفَنُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْلِسَ إِنْسَانٌ عِنْدَ رَأْسِهِ وَيَقُولُ:  يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَأَمَتِهِ، اذْكُرِ العَهْدَ الذي خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَ ّالبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ في القُبُورِ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاللهِ رَبَّاً، وَبِالإِسْلَامِ دِينَاً، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً وَرَسُولَاً، وَبِالقُرْآنِ إِمَامَاً، وَبِالكَعْبَةِ قِبْلَةً، وَبِالمُؤْمِنِينَ إِخْوَانَاً. اهـ.

ذَكَرَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ في (شَرْحِ المُهَذَّبِ) قَالَ: وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللهُ عَنْهُ ـ أَيْ: عَنْ تَلقِينِ المَيْتِ ـ فَقَالَ: التَّلْقِينُ هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ.

قَالَ ـ ابْنُ الصَّلَاحِ ـ: وَرَوَيْنَا فِيهِ حَدِيثَاً مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَائِمِ، لَكِنْ اعْتُضِدَ بِشَوَاهِدَ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الشَّامِ قَدِيمَاً ـ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو.

قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ أَبِي عَمْرٍو: قُلْتُ: حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي (مُعْجَمِهِ) بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَلَفْظُهُ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَزْدِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي النَّزْعِ، فَقَالَ: إذَا مِتُّ فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إخْوَانِكُمْ فَسَوَّيْتُمُ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ، فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ وَلِيَقُلْ يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلَا يُجِيبُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدَاً، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ ـ المَيْتَ ـ يَقُولُ أَرْشِدْنَا رَحِمَك اللهُ، وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ـ أَيْ: بِكَلَامِهِ وَلَا بِقُعُودِهِ ـ.

فَلْيَقُلْ: اذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا: شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّك رَضِيتَ بِاللهِ رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِينَاً، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً، وَبِالْقُرْآنِ إمَامَاً، فَإِنَّ مُنْكَرَاً وَنَكِيرَاً يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَيَقُولُ: انْطَلِقْ بِنَا، مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ أُمَّهُ.

قَالَ: «فَيَنْسُبُهُ إلَى أُمِّهِ حَوَّاءَ يَا فُلَانَ ابْنَ حَوَّاءَ».

قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ بَعْدَمَا أَوْرَدَ هَذَا الحَدِيثَ: قُلْتُ: فَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفَاً فَيُسْتَأْنَسُ بِهِ، قَالَ: وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى المُسَامَحَةِ فِي أَحَادِيثِ الْفَضَائِلِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَقَدِ اعْتُضِدَ بِشَوَاهِدَ مِنَ الأَحَادِيثِ.

كَحَدِيثِ «اسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ»، وَوَصِيَّةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَهُمَا صَحِيحَانِ.

وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الشَّامِ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا فِي زَمَنِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ وَإِلَى الْآنَ، وَهَذَا التَّلْقِينُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ المُكَلَّفِ المَيِّتِ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يُلَقَّنُ وَاللهِ أَعْلَمُ. اهـ. كَلَامُ النَّوَوِيِّ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ أَيْضَاً عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّلْقِينِ بَعْدَ الدَّفْنِ بِمَا رواه الإمام مسلم وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ».

وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ في رِوَايَتِهِ: وَقُولُوا: «الثَّبَاتَ الثَّبَاتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ».

فَقَالُوا: المَيْتُ حَقِيقَةً هُوَ مَنْ مَاتَ بِالفِعْلِ، وَأَمَّا إِطْلَاقُ المَيْتِ عَلَى المُحْتَضَرِ فَهُوَ مِنْ بَابِ المَجَازِ، وَإِنْ كَانَ حَمْلُ الكَلَامِ عَلَى الحَقِيقَةِ هُوَ الأَصْلُ، وَلَا سِيَّمَا وَأَنَّ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ تُرَجِّحُ المَعْنَى المَجَازِيَّ، وَبَعْضَهَا يُرَجِّحُ المَعْنَى الحَقِيقِيَّ؛ فَالأَحْوَطُ العَمَلُ بِهِمَا مَعَاً، كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ العَلَّامَةُ الكَمَالُ ابْنُ الهمام رَحِمَهُ اللهُ تعالى في: (فَتْحِ القَدِيرِ).

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 5/ جمادى الآخرة /1441هـ، الموافق: 30/ كانون الثاني / 2020م