225ـ لا تحزنوا فالله معكم

كلمة شهر ذي القعدة 1446

225ـ لا تحزنوا فالله معكم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، وَالسَّاعَاتِ الحَالِكَةِ.

نَسْأَلُكَ يَا اللهُ يَا مَنْ لَا يُنْقِذُ مِنَ الشَّدَائِدِ إِلَّا أَنْتَ، نَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَأَنْ تَهَبَ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا تُغَيِّبُوا عَنْ أَنْفُسَكُمْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.

فَالْزِمْ يَدَيْكَ بِحَبْلِ اللهِ مُعْتَصِمًا   ***   فَإِنَّهُ الرُّكْنُ إِنْ خَانَتْكَ أَرْكَانُ

لَا تَحْزَنُوا فَاللهُ مَعَكُمْ إِنِ اتَّقَيْتُمْ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا تَحْزَنُوا، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ، فَاللهُ تعالى مَعَكُمْ إِنِ اتَّقَيْتُمْ، سَيَجْعَلُ لَكُمْ مَخْرَجًا، أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾؟

لَا تَحْزَنُوا، لِأَنَّ الحُزْنَ يُضْعِفُنَا في العِبَادَةِ، وَيُورِثُنَا الإِحْبَاطَ وَيَدْعُو إلى سُوءِ الظَّنِّ، وَيُوقِعُ التَّشَاؤُمَ، وَهَذَا مَا يُرِيدُهُ مِنَّا عَدُوُّنَا.

لَا تَحْزَنُوا، مَا دَامَتْ صِلَتُكُمْ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ للهِ تَعَالَى، مَعَ كَثْرَةِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى.

لَا تَحْزَنُوا، مَا دُمْتُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَفِعْلِ المَعْرُوفِ، فَصَاحِبُ المَعْرُوفِ لَا يَقَعُ، وَإِذَا وَقَعَ وَجَدَ مُتَّكَأً.

لَا تَحْزَنُوا يَا عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ الحُزْنَ وَالقَلَقَ مِنْ أَسْبَابِ الأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ، وَمَصْدَرٌ مِنْ مَصَادِرِ الآلَامِ العَصَبِيَّةِ.

لَا تَحْزَنُوا، وَلَا تَسْتَسْلِمُوا للحُزْنِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَحْزَنَ العَبْدُ المُؤْمِنُ، وَمَوْلَاهُ الَّذِي تَوَلَّاهُ قَالَ لَهُ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا لَمْ نَعِشْ في حُدُودِ يَوْمِنَا تَشَتَّتَتْ أَذْهَانُنَا، وَاضْطَرَبَتْ عَلَيْنَا أُمُورُنَا، وَكَثُرَتْ هُمُومُنَا وَأَحْزَانُنَا، وَهَذَا مَا يُرِيدُهُ مِنَّا عَدُوُّنَا، أَلَمْ يَقُلْ لَنَا مُرْشِدُنَا الأَعْظَمُ وَحَبِيبُنَا الأَكْرَمُ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ».

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.

لِنَنْسَ المَاضِي بِمَا فِيهِ، مِنْ هُمُومٍ وَأَحْزَانٍ، لِأَنَّ الاهْتِمَامَ بِهِ جُنُونٌ وَحُمْقٌ.

وَلَا تَشْتَغِلْ بِالمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ غَيْبٌ قَدْ لَا يَأْتِينَا.

وَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ قَضَاءَ اللهِ تَعَالَى لِكُلِّ مُؤْمِنٍ هُوَ خَيْرٌ لَهُ، لِنُفَكِّرْ في النِّعَمِ البَاقِيَةِ وَلْنَشْكُرِ اللهَ عَلَيْهَا.

وَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ المَصَائِبَ هِيَ مَرْهَمٌ للبَصَائِرِ وَقُوَّةٌ للقَلْبِ، وَلْنَسْتَحْضِرْ قَوْلَهُ تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾. وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ.

وَلْنَحْذَرْ مِنْ بَثِّ الرُّعْبِ وَالخَوْفِ مِنَ الفَقْرِ، لَا يَكُنْ أَحَدُنَا بُوقًا للشَّيْطَانِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

اللَّهُمَّ عَجِّلْ بِالفَرَجِ عَنَّا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 1/ ذو القعدة /1446هـ، الموافق:  29/  نيسان/ 2025م