طباعة |
![]() |
5ـ صحبة الأولياء ترياق مجرّب | |
5ـ صحبة الأولياء ترياق مجرّب الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: الوَاجِبُ عَلَى المُرِيدِ الصَّادِقِ أَنْ يَتَحَرَّى بِغَايَةِ جُهْدِهِ مُصَاحَبَةَ الأَخْيَارِ، فَإِنَّهَا قَدْ تَجْعَلُ الشِّرِّيرَ خَيِّرًا، كَمَا أَنَّ مُصَاحَبَةَ الأَشْرَارَ قَدْ تَجْعَلُ الخَيِّرَ شِرِّيرًا. مَنْ صَحِبَ خَيِّرًا أَصَابَتْهُ بَرَكَتُهُ، فَجَلِيسُ الأَوْلِيَاءِ لَا يَشْقَى، كَيْفَ يَشْقَى جَلِيسُهُمْ، وَكَلْبٌ صَحِبَ فِتْيَةً آمَنُوا بِرَبِّهِمْ، خَلَّدَ اللهُ تعالى ذِكْرَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ؟ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾. يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا تَصْحَبِ الفَاجِرَ فَيُزَيِّنَ لَكَ فِعْلَهُ، وَيَوَدُّ لَوْ أَنَّكَ مِثْلُهُ. اهـ. ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾. الصَّاحِبُ لَهُ أَثَرٌ بَالِغٌ في نَفْسِيَّةِ صَاحِبِهِ، جَمَلٌ صَعْبٌ إِذَا قُورِنَ بِجَمَلٍ ذَلُولٍ يَصِيرُ ذَلُولًا، وَالذَّلُولُ قَدْ يَصِيرُ صَعْبًا بِمُقَارَنَةِ الصَّعْبِ. الجَلِيسُ الصَّالِحُ إِمَّا أَنْ يُعَلِّمَكَ مَا يُنْجِيكَ، وَإِمَّا أَنْ تَسْأَلَهُ فَتَزْدَادَ عِلْمًا، وَإِمَّا أَنْ تَغْتَنِمَ بَرَكَاتِ مَجْلِسِهِ؛ وَيَرْفَعُ ذِكْرَكَ بِمُصَاحَبَتِهِ. وَجَلِيسُ السُّوءَ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ لَكَ ثِيَابَ التَّقْوَى، وَإِمَّا أَنْ يَنْشُرَ لَكَ صِيتَكَ بِالسُّوءِ وَالقُبْحِ؛ وَيَضَعُ ذِكْرَكَ بِمُصَاحَبَتِهِ. وَيَقُولُ سَيِّدِي أَحْمَدُ الرِّفَاعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الأَوْلِيَاءُ قَنَاطِرُ الخَلْقِ، يَعْبُرُ المُوَفَّقُونَ عَلَيْهِمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى، أُولَئِكَ هُمُ العَامِلُونَ المُخْلِصُونَ الخَالِصُونَ، اسْتَخْلَصَهُمْ تَعَالَى لِعِبَادَتِهِ وَقُرْبِهِمْ مِنْ حَضْرَتِهِ فَمَا حَجَبَ قُلُوبَهُمْ حِجَابُ الغَيْنِ طَرْفَةَ عَيْنٍ. ثُمَّ يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَامُوا اللَّيْلَ وَصَامُوا النَّهَارَ، بَعْضُهُمْ غَلَبَ عَلَيْهِ الفِكْرُ، وَبَعْضُهُمْ غَلَبَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ، وَبَعْضُهُمْ جَمَعَ شَتَاتَ الأَمْرِ ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ﴾. أُوصِيكُمْ كُلَّ الوَصِيَّةِ بَعْدَ عِلْمِ وَاجِبَاتِ الدِّينِ، بِصُحْبَتِهِمْ، فَإِنَّهَا تِرْيَاقٌ مُجَرَّبٌ، عِنْدَهُمْ رَأْسُ الأَمْرِ كُلِّهِ، عِنْدَهُمُ الصِّدْقُ وَالصَّفَاءُ وَالذَّوْقُ وَالوَفَاءُ وَالتَّجَرُّدُ مِنَ الدُّنْيَا، وَالتَّجَرُّدُ مِنَ الأُخْرَى، وَالتَّجَرُّدُ إِلَى المَوْلَى. هَذِهِ الخِصَالُ لَا تَحْصُلُ بِالقِرَاءَةِ وَالدَّرْسِ وَالمَجَالِسِ، لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِصُحْبَةِ الشَّيْخِ العَارِفِ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الحَالِ وَالمَقَالِ، يَدُلُّ بِمَقَالِهِ، وَيَنْهَضُ بِحَالِهِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ﴾ ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾. اهـ. ثُمَّ يَقُولُ الإِمَامُ الحَارِثُ المُحَاسِبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ: وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ عَلَامَةَ حُبِّكَ إِيَّاهُمْ لِزُومُكَ مَحَجَّتَهُمْ، مَعَ اسْتِقَامَةِ قَلْبِكَ وَصِحَّةِ عَمَلِكَ وَصِدْقِ لِسَانِكَ وَحُسْنِ سَرِيرَتِكَ لِأَمْرِ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ، كَمَا كَانَ الْقَوْمُ فِي هَذِه الْأَحْوَالِ، فَهَذَا يُحَقِّقُ مِنْكَ صِدْقَ دَعْوَاكَ لِحُبِّهِمْ وَالتَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِمْ. فَإِذَا صَحَّتْ فِيكَ وَمِنْكَ هَذِهِ الْخِلَالُ كَصِحَّتِهَا مِنْهُمْ وَفِيهِمْ، كُنْتَ صَادِقًا فِي حُبِّ الْقَوْمِ وَحُسْنِ الاتِّبَاعِ لَهُمْ، وَإِنْ كُنْتَ مُدَّعِيًا لِحُبِّهِمْ وَأَنْتَ مُخَالِفٌ لِأَفَاعِيلِهِمْ، عَادِلٌ عَنْ سَبِيلِ الاسْتِقَامَةِ لِطَرِيقِ المَحَجَّةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، فَأَنْتَ مَائِلٌ إِلَى مُوَافقَةِ هَوَاكَ، عَادِلٌ عَنْ مَسِيرَتِهِمْ وَلَسْتَ بِصَادِقٍ فِي دَعْوَاكَ. فَلَا تَجْمَعَنَّ عَلَى نَفْسِكَ الْخِلَافَ لِمَحَجَّتِهِمْ وَالدَّعْوَى أَنَّكَ عَلَى سَبِيلِهِمْ، فَمَتَى فَعَلْتَ ذَلِكَ صَحَّ مِنْكَ جَهْلٌ وَكذِبٌ، وَتَعَرَّضْتَ لِلْمَقْتِ مِنَ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ. اهـ. أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُكْرِمَنَا بِحُسْنِ الاقْتِدَاءِ. آمين. ** ** ** تاريخ الكلمة: الخميس: 2/ ذو الحجة /1446هـ، الموافق: 29/ أيار / 2025م |
|
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |