226ـ هل من مغتنم؟

كلمة شهر ذي الحجة 1446

226ـ هل من مغتنم؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ العَشْرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَبْوَابُ التَّنَافُسِ فِيهَا قَدْ فُتِحَتْ، فَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى؟ فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ هِيَ كِنَايَةٌ عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى لِعَامِلِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَهَلْ مِنْ مُغْتَنِمٍ لِهَذِهِ الأَيَّامِ؟

يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

فَيَا مَنْ أَكْرَمَكَ اللهُ تَعَالَى بِالعَقْلِ وَشَرَحَ صَدْرَكَ لِلْإِسْلَامِ، وَحَبَّبَ إِلَيْكَ الإِيمَانَ، جَاهِدْ نَفْسَكَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ، وَاسْمَعْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَظِيفَتُهُ أَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾. وَقَدْ بَلَّغَ، رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَظِيفَتُهُ أَنَّهُ مُذَكِّرٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾. وَقَدْ ذَكَّرَ، رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَاصِحٌ أَمِينٌ، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يُقَرِّبُنَا مِنَ اللهِ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ وَأَمَرَنَا بِهِ، وَمَا تَرَكَ شَيْئًا يُبْعِدُنَا عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا وَبَيَّنَهُ لَنَا وَنَهَانَا عَنْهُ.

فَيَا أَيُّهَا العَاقِلُ: اغْتَنِمْ هَذِهِ الأَيَّامَ، وَاعْلَمْ بِأَنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ، تَنْفَعُ صَاحِبَ القَلْبِ السَّلِيمِ، أَمَّا صَاحِبُ القَلْبِ الحَقُودِ الحَسُودِ المُتَكَبِّرِ فَلَا يَنْتَفِعُ وَلَا يَسْمَعُ، وَلَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يُغَيِّرُ، الجَمَادُ يَتَأَثَّرُ وَهُوَ لَا يَتَأَثَّرُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى، تَفَقَّدُوا قُلُوبَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ، وَسَلُوا اللهَ لَنَا وَلَكُمْ سَلَامَةَ القَلْبِ.

صُوَرٌ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ كَثِيرَةٌ وَكَثِيرَةٌ جِدًّا، فَاسْتَغَلُّوا مِنْهَا مَا اسْتَطَعْتُمْ، لِأَنَّ اللهَ يُحِبُّ العَبْدَ الصَّالِحَ المُلْتَزِمَ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَإِذَا أَحَبَّهُ اللهُ تَعَالَى سَدَّدَ جَوَارِحَهُ كُلَّهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَكْثِرُوا مِنَ النَّوَافِلِ الَّتِي تُقَرِّبُكُمْ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ الدُّنْيَا ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً، وَالآخِرَةَ ارْتَحَلَتْ مُقْبِلَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ فِينَا أَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا مُدْبِرًا عَنْهَا مُقْبِلًا عَلَى الآخِرَةِ إِنْ شَاءَ وَإِنْ أَبَى، مَتَى يَنْتَهِي الأَجَلُ لَا نَدْرِي؟

وَهَا أَنَا أُذَكِّرُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِبَعْضِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ عَسَى أَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا لِنَكُونَ بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَحْبُوبِينَ عِنْدَهُ.

أَوَّلًا: صِيَامُ النَّافِلَةِ:

رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ».

هَلْ سَمِعْتَ يَا أَخِي الكَرِيمُ هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ: «يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ»؟ هَلْ أَنْتَ تُحِبُّ العَاجِلَةَ أَمِ الآجِلَةَ؟ هَذِهِ هِيَ التِّجَارَةُ الرَّابِحَةُ. اهـ.

ثَانِيًا: قِيَامُ اللَّيْلِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَخَاصَّةً وَنَحْنُ فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ. عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ».

قِيَامُ اللَّيْلِ الَّذِي زَهِدَ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ».

ثَالِثًا: صَلَاةُ العِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ صَلَاةُ الجَمَاعَةِ وَخَاصَّةً العِشَاءَ وَالصُّبْحَ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَابْنَ أَخِي: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ».

سَلْ نَفْسَكَ يَا أَخِي الكَرِيمُ: هَلْ أَنْتَ مِمَّنْ يُحَافِظُ عَلَى صَلَاةِ الفَجْرِ فِي وَقْتِهَا؟ وَإِذَا كُنْتَ تُحَافِظُ عَلَيْهَا فِي وَقْتِهَا فَهَلْ هِيَ فِي جَمَاعَةٍ فِي المَسْجِدِ؟ صَلَاةُ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ هِيَ أَثْقَلُ صَلَاةٍ عَلَى المُنَافِقِينَ، أَجَارَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ النِّفَاقِ.

حَافِظُوا عَلَى الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ، وَخَاصَّةً الفَجْرَ وَالعِشَاءَ.

رَابِعًا: تَحَرِّي الحَلَالِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَنْ نَتَحَرَّى الحَلَالَ، وَخَاصَّةً فِي مَطْعَمِنَا وَمَشْرَبِنَا، فَالرِّبَا، وَالرِّشْوَةُ، وَالأَيْمَانُ الكَاذِبَةُ، وَأَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَالسَّرِقَةُ مِنَ الأَمْوَالِ العَامَّةِ، لَيْسَتْ مِنَ الحَلَالِ فِي شَيْءٍ، بَلْ كُلُّهَا حَرَامٌ، وَكُلُّ جِسْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَلَا تُطَهِّرُهُ إِلَّا النَّارُ، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأَنْتَ تَأْكُلُ الحَرَامَ؟ وَكَيْفَ تَمُدُّ يَدَيْكَ إِلَى اللهِ تَعَالَى سَائِلًا إِيَّاهُ حَوَائِجَكَ وَأَنْتَ تَأْكُلُ الحَرَامَ؟ أَنَسِيتَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: عِنْدَمَا ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَعَالَوْا نُعَاهِدِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَنَحْنُ نَسْتَقْبِلُ هَذِهِ الأَيَّامَ المُبَارَكَةَ أَنْ نَكُونَ عَلَى قَدَمِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي عِبَادَاتِنَا وَمُعَامَلَاتِنَا وَأَخْلَاقِنَا، وَأَنْ نَسْتَكْثِرَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهَا، فَلْنُحَافِظْ عَلَى صِيَامِ النَّافِلَةِ، وَصَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَعَلَى الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ وَخَاصَّةً الفَجْرَ وَالعِشَاءَ، وَكَثْرَةَ الصَّدَقَةِ، وَأَنْ نَتَحَرَّى الحَلَالَ فِي أَرْزَاقِنَا، وَأَنْ نُحَسِّنَ أَخْلَاقَنَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 1/ ذو الحجة /1446هـ، الموافق:  28/ أيار / 2025م