طباعة |
![]() |
6ـ الذكر أصل كل مقام وقاعدته | |
6ـ الذكر أصل كل مقام وقاعدته الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ مُرَبِّي العَارِفِينَ، سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتِابِهِ حَقَائِقِ عَنِ التَّصَوُّفِ: الذِّكْرُ يُثْمِرُ المَقَامَاتِ كُلَّهَا مِنَ اليَقَظَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَيُثْمِرُ المَعَارِفَ وَالأَحْوَالَ الَّتِي شَمَّرَ إِلَيْهَا السَّالِكُونَ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى نَيْلِ ثِمَارِهَا إِلَّا مِنْ شَجَرَةِ الذِّكْرِ، وَكُلَّمَا عَظُمَتْ تِلْكَ الشَّجَرَةُ وَرَسَخَ أَصْلُهَا كَانَ أَعْظَمَ لِثَمَرَتِهَا وَفَائِدَتِهَا. وَهُوَ أَصْلُ كُلِّ مَقَامٍ وَقَاعِدَتُهُ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا، كَمَا يُبْنَى الحَائِطُ عَلَى أَسَاسِهِ، وَكَمَا يَقُومُ السَّقْفُ عَلَى جِدَارِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ العَبْدَ إِنْ لَمْ يَسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِهِ لَمْ يُمْكِنْهُ قَطْعُ مَنَازِلِ السَّيْرِ المُوصِلَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالَى الَّتِي خُلِقَ الإِنْسَانُ لِأَجْلِهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وَلَا يَسْتَيْقِظُ المَرْءُ إِلَّا بِالذِّكْرِ، فَالغَفْلَةُ نَوْمُ القَلْبِ أَو مَوْتُهُ. وَإِنَّ امْتِثَالَ الصُّوفِيَّةِ ِلِأَمْرِ مَوْلَاهُمْ عَزَّ وَجَلَّ بِالإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِهِ جَعَلَ حَيَاتَهُمْ كَحَيَاةِ المَلَائِكَةِ، لَا تَخْطُرُ الدُّنْيَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَلَا تَشْغَلُهُمْ عَنْ مَحْبُوبِهِمْ، نَسُوا أَنْفُسَهُمْ بِمُجَالَسَتِهِمْ لِرَبِّهِمْ، وَغَابُوا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ فَتَوَاجَدُوا عِنْدَمَا وَجَدُوا. يَذْكُرُ الصُّوفِيُّ رَبَّهُ في كُلِّ أَحْيَانِهِ، فَيَجِدُ بِذَلِكَ انْشِرَاحَ الصَّدْرِ وَاطْمِئْنَانَ القَلْبِ وَسُمُوَّ الرُّوحِ؛ لِأَنَّهُ حَظِيَ بِمُجَالَسَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ «أَهْلُ ذِكْرِي أَهْلُ مُجَالَسَتِي...» الحَدِيثَ. فَالعَارِفُ مَنْ دَاوَمَ عَلَى الذِّكْرِ وَأَعْرَضَ بِقَلْبِهِ عَنْ مُتَعِ الدُّنْيَا الزَّائِلَةِ فَتَوَلَّاهُ اللهُ في جَمِيعِ شُؤُونِهِ، وَلَا عَجَبَ، فَمَنْ صَبَرَ ظَفَرَ، وَمَنْ لَازَمَ قَرْعَ البَابِ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ. اهـ. وَيَقُولُ سَيِّدِي الشَّيْخُ أَحْمَد فَتْحُ اللهِ جَامِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ: إِذَا أَخْلَصَ العَبْدُ نِيَّتَهُ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَأَخْلَصَ فِي سَائِرِ عَمَلِهِ، وَكَانَ عَمَلُهُ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَمُتَّبِعًا لِلسُّنَّةِ السَّنِيَّةِ، وَمُقَيَّدًا بِآدَابِ أَسْيَادِنَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَإِنَّ رُوحَ هَذَا العَبْدِ تَشْعُرُ بِلَذَّةِ العُبُودِيَّةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالَّتِي لَا يُوَازِيهَا شَيْءٌ فِي الحَيَاةِ، وَهَذَا مَطْلَبُ كِبَارِ الأَوْلِيَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَهَذَا أَمْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا، أَنْ نَكُونَ عِبَادًا للهِ، وَلَا نَطْلُبَ إِلَّا العُبُودِيَّةَ. وَالتَّلَذُّذُ بِالعُبُودِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِالرُّوحِ، فَإِذَا تَذَوَّقَتِ الرُّوحُ حَلَاوَةَ المُجَالَسَةِ وَالذِّكْرِ عِنْدَهَا لَا يَكُونُ لَهَا أَيُّ مَطْلَبٍ إِلَّا العُبُودِيَّةَ. وَهَذِهِ النِّعْمَةُ العُظْمَى تَأْتِي مِنَ اللهِ تَعَالَى، إِلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّ عَابِدٍ يَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ بِمِقْدَارِ صِدْقِهِ فِي العُبُودِيَّةِ. نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بِحُرْمَةِ نَبِيِّهِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكْرِمَنَا بِالعُبُودِيَّةِ المَرْضِيَّةِ عِنْدَهُ. آمين. وَيَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مَنْ أَرَادَ أَنْ لَا تُسَيْطِرَ عَلَيْهِ الخَطَرَاتُ وَالغَفْلَةُ عَنِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ للهِ تَعَالَى بَعْدَ التَّمَسُّكِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إِمَّا بِذِكْرِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، حَتَّى يَنْطَبِعَ لَفْظُ الجَلَالَةِ عَلَى قَلْبِهِ وَإِمَّا بِذِكْرِ الاسْمِ المُفْرَدِ: اللهُ؛ وَهَذَا خَاصٌّ بِأَهْلِ الخَلْوَةِ، لِأَنَّ قِلَّةَ الذِّكْرِ مِنْ أَوْصَافِ المُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾. وَالذِّكْرُ مَعَ الغَفْلَةِ لَا يُتْرَكُ، لِأَنَّ زِمَامَ القُلُوبِ بِيَدِ اللهِ تَعَالَى، فَرُبَّ ذِكْرٍ مَعَ غَفْلَةٍ يَنْقُلُكَ إِلَى ذِكْرٍ مَعَ حُضُورٍ، وَالخَوَاطِرُ لَا تَزُولُ مَا دَامَتِ الرُّوحُ فِي الجَسَدِ، وَالشَّيْطَانُ لَا يَتْرُكُ الإِنْسَانَ أَبَدًا، فَإِذَا انْسَدَّتِ المَنَافِذُ أَمَامَهُ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ سَبِيلٌ يَدْخُلُ عَلَى الإِنْسَانِ مِنْ خِلَالِ لَطَائِفِهِ فَإِنَّهُ يَأْتِيهِ مُشَاهَدَةً، وَالمُؤْمِنُ يَعْرِفُ أَنَّهُ هُوَ اللَّعِينُ فَيَكُونُ عَلَى حَذَرٍ مِنْهُ. وَيَقُولُ سَيِّدِي الإِمَامُ الشَّعْرَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: اعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ خَلَتْ عَنِ الأَدَبِ فَهِيَ قَلِيلَةُ الجَدْوَى، وَأَجْمَعَ الأَشْيَاخُ أَنَّ العَبْدَ يَصِلُ بِعِبَادَتِهِ إِلَى حُصُولِ الثَّوَابِ وَدُخُولِ الجَنَّةِ، وَلَا يَصِلُ إِلَى حَضْرَةِ رَبِّهِ إِلَّا إِنْ صَحِبَهُ الأَدَبُ فِي تِلْكَ العِبَادَةِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَقْصُودَ القَوْمِ القُرْبُ مِنْ حَضْرَةِ اللهِ الخَاصَّةِ وَمُجَالَسَتُهُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ. أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ ذِكْرِهِ، وَأَنْ لَا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ الأَدَبِ أَثْنَاءَ ذِكْرِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. آمين. ** ** ** تاريخ الكلمة: الاثنين: 6/ ذو الحجة /1446هـ، الموافق: 2/ حزيران / 2025م |
|
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |