949ـ خطبة الجمعة: أسباب الأمن والأمان

949ـ خطبة الجمعة: أسباب الأمن والأمان

مُقَدِّمَةُ الخُطْبَةِ:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يُصْبِحُوا آمِنِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، مُطْمَئِنِّينَ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ، لَا يَخَافُونَ ظُلْمَ ظَالِمٍ، وَلَا جَوْرَ جَائِرٍ، وَلَا خِيَانَةَ خَائِنٍ، وَقَدْ أَشَارَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّ مَنِ اجْتَمَعَ لَهُ الأَمْنُ فِي وَطَنِهِ، وَالصِّحَّةُ فِي بَدَنِهِ، مَعَ وُجُودِ قُوتِ يَوْمِهِ، فَقَدْ جُمِعَتْ لَهُ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَفُتْهُ مِنْهَا شَيْءٌ، فَقَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رَوَاهُ التِّرِمِذِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَسْبَابُ الأَمْنِ وَالأَمَانِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ، الإِيمَانُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَعَدَمُ الظُّلْمِ، قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ حِينَمَا هَدَّدَهُ قَوْمُهُ أَنَّ أَصْنَامَهُمْ سَتَسْلُبُهُ الأَمْنَ، فَقَالَ لَهُمْ: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؟

وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾. فَإِذَا آمَنَ النَّاسُ بِاللهِ تَعَالَى، وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، وَامْتَنَعُوا عَنِ المَظَالِمِ، كَانُوا جَدِيرِينَ بِوِقَايَةِ اللهِ تَعَالَى، وَكَانُوا جَدِيرِينَ أَنْ يَعِيشُوا نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالأَمَانِ، وَأَنْ يَقِيَهُمُ اللهُ تَعَالَى شُرُورَ أَعْدَائِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾.

وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:

وِقَايَةُ اللهِ أَغْنَتْ عَنْ مُضَاعَفَةٍ   ***   مِنَ الدُرُوْعِ وعَنْ عَالٍ مِنَ الأُطُمِ

وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:

وَإِذَا العِنَايَةُ لَاحَظَتْكُ عُيُونُهَا   ***   نَمْ فَالمَخَاوِفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَهْلَ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ أَنْ يُبْدِلَهُمْ بَعْدَ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، وَأَنْ يَسْتَخْلِفَهُمْ فِي الأَرْضِ مَعَ التَّمْكِينِ، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

كَمَا وَعَدُهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ، وَالَّتِي يَكُونُ الأَمْنُ مِنْ أَبْرَزِ مَظَاهِرِهَا، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: كَمَا وَعَدَ اللهُ تَعَالَى أَهْلَ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ بِنِعْمَةِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ، تَوَعَّدَ مَنْ كَفَرَ بِنِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى أَنْ يُبْدِلَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَمْنهِ خَوْفًا، وَأَنْ يُلْبِسَهُ لِبَاسَ الجُوعِ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: فِي ظِلِّ الأَمْنِ وَالأَمَانِ تَحْلُو العِبَادَةُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُصْبِحُ النَّوْمُ سُبَاتًا، وَالطَّعَامُ هَنِيئًا، وَالشَّرَابُ مَرِيئًا، وَهَذَا مَطْلَبُ البَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ؛ فَالأَمْنُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَنِعْمَةٌ يُغْبَطُ عَلَيْهَا كُلُّ مَنْ وُهِبَهَا وَلَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رَوَاهُ التِّرِمِذِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

نَسْأَلُكَ يَا رَبَّنَا أَنْ لَا تَحْرِمَنَا خَيْرَ مَا عِنْدِكَ بِسُوءِ مَا عِنْدَنَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، نَسْأَلُكَ يَا رَبَّنَا أَنْ تُعَامِلَنَا بِفَضْلِكَ لَا بِعَدْلِكَ وَأَنْ تُعَامِلَنَا بِالإِحْسَانِ لَا بِالمِيزَانِ، وَأَذِقْنَا يَا رَبَّنَا حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، وَوَفِّقْنَا يَا رَبَّنَا لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين آمين آمين.

أَقُولُ هَذَا القَوْلَ وَكُلٌّ مِنَّا يَسْتَغْفِرُ اللهَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 30/ محرم /1447هـ، الموافق: 25/ تموز / 2025م