طباعة |
![]() |
950ـ خطبة الجمعة: حتى نفوز بطوبى «فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» | |
950ـ خطبة الجمعة: حتى نفوز بطوبى «فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» مُقَدِّمَةُ الخُطْبَةِ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ: حَتَّى نَفُوزَ بِطُوبَى لَا بُدَّ أَنْ نَسْمَعَ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ». وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. وَصِيَّةٌ نَبَوِيَّةٌ فِي غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ، لِمَا فِيهَا مِنَ الفَوَائِدِ الَّتِي تَجْعَلُ الإِنْسَانَ المُؤْمِنَ يَسْعَى إِلَى الدَّارِ الأُخْرَوِيَّةِ بِالكُلِّيَّةِ، وَتَجْعَلُ هَمَّهُ العِلْمَ وَالعَمَلَ وَالإِخْلَاصَ، وَمُتَابَعَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الغُرَبَاءِ. مَنْ هُمُ الغُرَبَاءُ؟ يَا عِبَادَ اللهِ: قَدْ يَتَسَاءَلُ الوَاحِدُ مِنَّا وَيَقُولُ: مَنْ هُمُ الغُرَبَاءُ؟ الغُرَبَاءُ هُمُ الَّذِينَ تَمَسَّكُوا بِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِلْمًا وَعَمَلًا وَسُلُوكًا وَأَخْلَاقًا وَمُعَامَلَةً، وَعِبَادَةً شَامِلَةً بِكُلِّ مَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ، وَأَمَرَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً أَيَّامَ الصَّبرِ، يَعْنِي أَيَّامَ الفِتَنِ أَيَّامَ المِحَنِ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ، كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾؟ قَالَ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ ـ يَعْنِي ـ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ». وَزَادَنِي غَيْرُهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ». هَؤُلَاءِ الغُرَبَاءُ الَّذِينَ مُدِحُوا مِنْ قِبَلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِقِلَّتِهِمْ سُمُّوا غُرَبَاءَ، فَأَهْلُ الإِسْلَامِ فِي الدُّنْيَا هُمْ غُرَبَاءُ، وَأَهْلُ الإِيمَانِ فِي أَهْلِ الإِسْلَامِ غُرَبَاءُ، وَأَهْلُ الإِحْسَانِ فِي أَهْلِ الإِيمَانِ غُرَبَاءُ، هَؤُلَاءِ الغُرَبَاءُ أَهْلُ الإِحْسَانِ هُمُ الَّذِينَ أَشَارَ اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ القُلُوبِ السَّلِيمَةِ، أَصْحَابُ القُلُوبِ التَّقِيَّةِ النَّقِيَّةِ، هَؤُلَاءِ أَهْلُ التَّزْكِيَةِ هُمُ الغُرَبَاءُ فِي أَهْلِ الإِيمَانِ وَفِي أَهْلِ الإِسْلَامِ، هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ دَخَلُوا مَقَامَ الإِحْسَانِ «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». هَؤُلَاءِ هُمُ الغُرَبَاءُ، وَهُمْ أَهْلُ البِشَارَةِ النَّبَوِيَّةِ «فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ». يَا عِبَادَ اللهِ: أَهَمُّ صِفَاتِ الغُرَبَاءِ: أَوَّلًا: هُمْ أَهْلُ التَّوْحِيدِ الخَالِصِ الَّذِينَ وَحَّدُوا اللهَ تَعَالَى فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَقَالُوا مَا قَالَهُ تَعَالَى عَنْ ذَاتِهِ العَلِيَّةِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾. فَلَمْ يُشَبِّهُوا وَلَمْ يُمَثِّلُوا وَلَمْ يُعَطِّلُوا؛ مُتَأَسِّينَ بِذَلكَ بِالرَّعِيلِ الأَوَّلِ مِنَ الغُرَبَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. ثَانِيًا: هُمْ أَهْلُ الاتِّباعِ لِسَيِّدِ الخَلْقِ وَحَبِيبِ الحَقِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ، وَهُمْ أَهْلُ الاتِّباعِ لِلسَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، كَمَا قالَ تَعَالَى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. ثَالِثًا: هُمُ الطَّائِفَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. هَذِهِ الطَّائِفَةِ الَّتِي زَكَّاهَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَظِيمِ بَعْدَ أَنْ زَكَّى المُهَاجِرِينَ وَشَهِدَ لَهُمْ بِالصِّدْقِ، وَزَكَّى الأَنْصَارَ وَشَهِدَ لَهُمْ بِالفَلَاحِ، فَقَالَ بَعْدَ ذَلكَ: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. هَؤُلَاءِ الغُرَبَاءُ، هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الطَّائِفَةِ المَنْصُورَةِ الَّتِي تَحَلَّتْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَمَا خَاطَبَ سَيِّدَنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ». ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ: يَا عِبَادَ اللهِ: المُؤْمِنُ الحَقُّ الَّذِي رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى البَصِيرَةَ فِي دِينِهِ، وَأَرَاهُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ مَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ أَهْوَاءٍ مُتَشَعِّبَةٍ، وَإِعْجَابِ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةٍ، آثَرَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الغُرَبَاءِ الأَتْقِيَاءِ، الَّذِي انطَوَى تَحْتَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. وَبِذَلكَ صَارَ غَرِيبًا؛ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ العَبْدُ المُؤْمِنُ الَّذِي دَخَلَ مَقَامَ الإحْسَانِ فِي هَذِهِ الدَّارِ غَرِيبًا وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ سَيَسَافِرُ مِنْ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا إِلَى دَارِ المَقَرِّ فِي جَنَّةِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الغُرَبَاءِ. آمِينَ. أَقُولُ هَذَا القَوْلَ وَكُلٌّ مِنَّا يَسْتَغْفِرُ اللهَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. ** ** ** تاريخ الخطبة: الجمعة: 7/ صفر /1447هـ، الموافق: 1/ آب / 2025م |
|
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |