طباعة |
![]() |
951ـ خطبة الجمعة: العدل من صفات أهل الكمال | |
951ـ خطبة الجمعة: العدل من صفات أهل الكمال مُقَدِّمَةُ الخُطْبَةِ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ: العَدْلُ وَالْإِنصَافِ عَزِيزَانِ بَيْنَ النَّاسِ، لِأَنَّ طَبِيعَةَ الإِنسَانِ أَنَّهُ مَيَّالٌ لِلظُّلْمِ وَمُحِبٌّ لِلْجَهْلِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾. إِلَّا مَنْ خَالَفَ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ وَشَيْطَانَهُ، وَاتَّبَعَ هَدْيَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. بَعْضُ النَّاسِ تَرَاهُ صَالِحًا مُصَلِّيًا رَاكِعًا سَاجِدًا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنَّهُ إِذَا حَكَمَ عَلَى النَّاسِ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِالظُّلْمِ وَالْإِجْحَافِ، وَقَدْ يَدْفِنُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ حَسَنَةً لِخَطَأٍ وَاحِدٍ، قَالَ الإِمَامُ الشَّعْبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَاللهِ لَوْ أَصَبْتُ تِسْعاً وَتِسْعِينَ مَرَّةً، وَأَخْطَأْتُ مَرَّةً لَعَدُّوا عَلَيَّ تِلْكَ الْوَاحِدَةَ. تذكرة الحفاظ. الإِنْصَافُ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الْكَمَالِ: يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ إِنْصَافَ المَرْءِ أَخَاهُ فِي النَّسَبِ أَوْ فِي الدِّينِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ تُقِرُّهُ الطَّبَائِعُ السَّلِيمَةُ، وَالْفِطَرُ النَّقِيَّةُ؛ أَمَّا إِنْصَافُ العَدُوِّ الَّذِي تُبْغِضُهُ وَتَكْرَهُهُ، وَتُبَرِّئُ سَاحَتَهُ، مَعَ عَدَاوَتِهِ لَكَ، وَخَاصَّةً فِي الدِّينِ، فَهَذَا لَا يَسْتَطِيعُهُ إِلَّا مَنْ تَرَبَّى عَلَى يَدَيْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ سَارَ عَلَى شَرْعِهِ وَنَهْجِهِ، وَهَذَا مِنْ صِفَاتِ الكُمَّلِ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَشَبَّعُوا بِرُوحِ العَدْلِ وَالإِنصَافِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا العَظِيمُ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾؟ أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا الْكَرِيمُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾؟ أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾؟ وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الشَّرِيفِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا». أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ صَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»؟ رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: أَفَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانُوا، وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ. فَبَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ ـ الخَرْصُ: الْحَزْرُ وَالتَّحَرِّي، وَهُوَ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِ الـشَّيْءِ (مِنَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ) لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الزَّكَاةِ فِيهِ ـ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، قَدْ خَرَصْتُ عِـشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلِي. فَقَالَوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ. خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ: يَا عِبَادَ اللهِ: الإِنْصَافُ أَجْمَعَتْ عَلَى حُسْنِهِ الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ وَالْعُقُولُ الْحَكِيمَةُ وَالْفِطَرُ السَّوِيَّةُ، وَهُوَ غَايَةُ الرَّسَائِلِ السَّمَاوِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾. الإِنْصَافُ مِفْتَاحُ الحَقِّ، وَجَامِعُ الْكَلِمَةِ، وَمُؤَلِّفُ الْقُلُوبِ. وَلْنَسْمَعْ جَمِيعًا الحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الْـمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ، عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ». فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ. مَا هَذَا الإِنصَافُ مِنْ عَمْرٍو وَذِكْرِهِ مَا يَعْلَمُهُ مِنَ الْخِصَالِ الْحَسَنَةِ لِلرُّومِ، مَعَ أَنَّنَا لَا نَشُكُّ فِي بَرَاءَتِهِ مِنْهُمْ. وَمَا قَالَهُ عَمْرُو بْنُ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا هُوَ كَمَا قَالَ الطَّبَرِيُّ ـ كَمَا جَاءَ فِي الكَوْكَبِ الوَهَّاجِ ـ: وَهَذِهِ الخِلَالُ الأَرْبَعُ الحَمِيدَةُ لَعَلَّهَا كَانَتْ فِي الرُّومِ الَّتِي أَدْرَكَ؛ وَأَمَّا اليَوْمَ فَهُمْ أَنْجَسُ الخَلِيقَةِ، وَعَلَى الضِّدِّ مِنْ تِلْكَ الأَوْصَافِ. اهـ. يَا عِبَادَ اللهِ: الإِنْصَافُ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الإِيمَانِ وَصِحَّةِ الإِسْلَامِ؛ بِالإِنصَافِ تُنْتَزَعُ صِفَاتُ الحِقْدِ وَالكَرَاهِيَةِ وَالحَسَدِ، لِتَحُلَّ مَحَلَّهَا صِفَاتُ الاحْتِرَامِ وَالحُبِّ وَالتَّنَافُسِ فِي الخَيْرَاتِ. أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا هَذَا الخُلُقَ العَظِيمَ. آمِينَ. أَقُولُ هَذَا القَوْلَ وَكُلٌّ مِنَّا يَسْتَغْفِرُ اللهَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. ** ** ** تاريخ الخطبة: الجمعة: 14/ صفر /1447هـ، الموافق: 8/ آب / 2025م |
|
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |