147ـ كلمات في مناسبات: علامات العالم المتحقق بالعلم

147ـ كلمات في مناسبات

علامات العالم المتحقق بالعلم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مِنْ أَنْفَعِ طُرُقِ العِلْمِ المُوصِلَةِ إِلَى غَايَةِ التَّحَقُّقِ بِهِ ـ أَيْ: بِالعِلْمِ ـ أَخْذُهُ عَنْ أَهْلِهِ المُتَحَقِّقِينَ بِهِ عَلَى الكَمَالِ وَالتَّمَامِ، وَلِلْعَالِمِ المُتَحَقِّقِ بِالعِلْمِ أَمَارَاتٌ وَعَلَامَاتٌ تَتَّفِقُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ خَالَفَتْهَا فِي النَّظَرِ، وَهِيَ ثَلَاثٌ:

إِحْدَاهَا: الْعَمَلُ بِمَا عَلِمَ؛ حَتَّى يَكُونَ قَوْلُهُ مُطَابِقًا لِفِعْلِهِ، فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ؛ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِأَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُ، وَلَا أَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي عِلْمٍ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ رَبَّاهُ الشُّيُوخُ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ؛ لِأَخْذِهِ عَنْهُمْ، وَمُلَازَمَتِهِ لَهُمْ؛ فَهُوَ الْجَدِيرُ بِأَنْ يَتَّصِفَ بِمَا اتَّصَفُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَكَذَا كَانَ شَأْنُ السَّلَفِ الصَّالِحِ.

فَأَوَّلُ ذَلِكَ مُلَازَمَةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَخْذُهُمْ بِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَاعْتِمَادُهُمْ عَلَى مَا يَرِدُ مِنْهُ، كَائِنًا مَا كَانَ، وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ صَدَرَ؛ فَهُمْ فَهِمُوا مَغْزَى مَا أَرَادَ بِهِ أَوَّلًا حَتَّى عَلِمُوا وَتَيَقَّنُوا أَنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي لَا يُعَارَضُ.

ثُمَّ يَقُولُ: فَهَذَا مِنْ فَوَائِدِ الْمُلَازَمَةِ، وَالانْقِيَادِ لِلْعُلَمَاءِ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي مَوَاطِنِ الإِشْكَالِ؛ حَتَّى لَاحَ الْبُرْهَانُ لِلْعِيَانِ.

وَفِيهِ قَالَ سَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ يَوْمَ صِفِّينَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ، وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَنِّي أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَرَدَدْتُهُ. رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ.

وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِمَا عَرَضَ لَهُمْ فِيهِ مِنَ الإِشْكَالِ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ بَعْدَ مَا خَالَطَهُمُ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ؛ لِشِدَّةِ الإِشْكَالِ عَلَيْهِمْ، وَالْتِبَاسِ الأَمْرِ، وَلَكِنَّهُمْ سَلَّمُوا وَتَرَكُوا رَأْيَهُمْ حَتَّى نَزَلَ القُرْآنُ فَزَالَ الإِشْكَالُ وَالالْتِبَاسُ.

وَصَارَ مِثْلُ ذَلِكَ أَصْلًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ فَالْتَزَمَ التَّابِعُونَ فِي الصَّحَابَةِ سِيرَتَهُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فَقُهُوا، وَنَالُوا ذِرْوَةَ الْكَمَالِ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَحَسْبُكَ مِنْ صِحَّةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّكَ لَا تَجِدُ عَالِمًا اشْتَهَرَ فِي النَّاسِ الأَخْذُ عَنْهُ إِلَّا وَلَهُ قُدْوَةٌ وَاشْتُهِرَ فِي قَرْنِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ.

وَالثَّالِثَةُ: الاقْتِدَاءُ بِمَنْ أَخَذَ عَنْهُ، وَالتَّأَدُّبُ بِأَدَبِهِ، كَمَا عَلِمْتَ مِنِ اقْتِدَاءِ الصَّحَابَةِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاقْتِدَاءِ التَّابِعِينَ بِالصَّحَابَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ قَرْنٍ.

**    **    **

                                                                               أخوكم أحمد شريف النعسان

                                                                                     يرجوكم دعوة صالحة