17- نرفع رؤوسنا عالياً فخراً وعزاً بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

17ـ خطبة الجمعة: نرفع رؤوسنا عالياً فخراً وعزاً بسيدنا محمد

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

فِي أَيَّامِ ذِكْرَى مَوْلِدِ سَيِّدِ الوُجُودِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، عَلَيْهِ وَآلِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِوُسْعِنَا أَنْ نُخَاطِبَ هَذَا الحَبِيبَ الأَعْظَمَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَنَقُولَ: يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، طِبْتَ حَيًّا، نَبِيًّا، رَسُولًا، عَابِدًا، زَاهِدًا، مُتَوَاضِعًا، مُقْبِلًا عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، طِبْتَ مَيْتًا، وَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ هَذَا الجَسَدَ الطَّاهِرَ الشَّرِيفَ المُبَارَكَ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، طِبْتَ فِي رَوْضَتِكَ الشَّرِيفَةِ، وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، طِبْتَ فِي رَوْضَتِكَ الشَّرِيفَةِ، حَيْثُ وَكَّلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى قَبْرِكَ مَلَائِكَةً تُبَلِّغُكَ سَلَامَ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ، فَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ يَوْمَ وُلِدْتَ، وَيَوْمَ خَرَجْتَ مِنَ الدُّنْيَا، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ وَأَنْتَ فِي قَبْرِكَ الشَّرِيفِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدَمَا تَنْشَقُّ الأَرْضُ عَنْكَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدَمَا تُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلِوَاءُ الحَمْدِ بِيَدِكَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ فِي الأَوَّلِينَ وَفِي الآخَرِينَ، جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْوَاحَنَا فِدَاءً لَكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَــيَا جِـيرَةَ الشِّعْبِ اليَمَانِيِّ بِـحَقِّكُمْ    ***   صِلُوا أَوْ مُرُوا طَيْفَ الخَيَالِ يَزُورُ

بَــعُدْتُمْ وَلَمْ يَبْعُدْ عَنِ الـقَلْبِ حُبُّكُمْ   ***   وَغِـبْتُمْ وَأَنْتُمْ فِي الـفُؤَادِ حُـضُورُ

وَضَحْوَةُ عِيدِي يَوْمَ أُضْحِي بِقُرْبِكُمْ   ***   عَـلَيَّ مِنَ اللُّطْفِ الخَفِيِّ سُـــتُورُ

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْتَ مُحَمَّدٌ، وَأَنْتَ أَحْمَدٌ، وَأَنْتَ المَاحِي الَّذِي مَحَا اللهُ بِكَ الكُفْرَ، وَأَنْتَ العَاقِبُ فَلَا نَبِيَّ بَعْدَكَ، وَأَنْتَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ المَلَاحِمِ، فَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، عِنْدَمَا قُلْتَ: «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَرْجُو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَكُونَ مِنْهُمْ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، مِنْ حَقِّنَا أَنْ نَفْتَخِرَ، وَأَنْ نَرْفَعَ رُؤُوسَنَا عَالِيًا بِكَ، أَنْتَ الوَحِيدُ فِي هَذَا الوُجُودِ فَلَا مَثِيلَ لَكَ، لَا مِنْ قَبْلِكَ وَلَا مِنْ بَعْدِكَ، فَأَنْتَ بَشَرٌ وَلَسْتَ كَالبَشَرِ، بَلْ أَنْتَ يَاقُوتَةٌ وَالنَّاسُ كَالحَجَرِ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، بِكَ نَتَحَدَّى العَالَمَ أَجْمَعَ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَإِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ نَقُولُ بِمِلْءِ أَفْوَاهِنَا: هَذَا هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أُسْوَتُنَا وَقُدْوَتُنَا وَنَبِيُّنَا وَشَفِيعُنَا، فَهَلْ عِنْدَ الإِنْسَانِيَّةِ مِثْلُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَتَّبِعُونَهُ، وَرَبُّنَا الَّذِي قَالَ لَنَا: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ مَا أَتَى بِهِ الجَمِيعُ، مِنْ لَدُنْ سَيِّدِنَا آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، بِجَانِبِ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ مِنَ القُرْآنِ العَظِيمِ، أَرُونِي يَا عِبَادَ اللهِ، وَقُولُوا لِلْعَالَمِ أَجْمَعَ: أَرُونَا مَنِ الَّذِي جَاءَ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، جَاءَنَا بِهَذَا القُرْآنِ العَظِيمِ الَّذِي ابْتَدَأَ نُزُولُهُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾. بِدَايَةُ النُّزُولِ هَكَذَا، وَخِتَامُ النُّزُولِ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.

سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الَّذِي قَالَ فِيهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾. سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا يَرْوِي سَيِّدُنَا عُمَرُ الفَارُوقُ ـ الَّذِي فَرَّقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، بِبَرَكَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ.

يَقُولُ الفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الخَلْقِ، حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ؛ كَمَا رَوَى ذَلِكَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ. فَسُبْحَانُ مَنْ عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا.

فَيَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ مَقَامُ الجَمِيعِ مِنْ مَقَامِكَ؟ وَأَنْتَ الَّذِي اسْتَجَابَ الكَوْنُ كُلُّهُ لَكَ، وَمَا تَمَرَّدَ عَلَى أَوَامِرِكَ إِلَّا المَرَدَةُ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَالكُلُّ مُمْتَثِلٌ لِأَمْرِكَ، أَنْتَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، الَّذِي أَشَرْتَ إِلَى القَمَرِ فَانْفَلَقَ فِرْقَتَيْنِ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: انْشَقَّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةً فَوْقَ الجَبَلِ، وَفِرْقَةً دُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اشْهَدُوا».

اشْهَدُوا بِأَنَّ الكَوْنَ مُسْتَجِيبٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَا بَالُنَا وَحَالُنَا إِذَا كَانَ الجَمَادُ وَالشَّجَرُ يَسْتَجِيبُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ تُرِيدُ؟».

قَالَ: إِلى أَهْلِي.

قَالَ: «هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ؟».

قَالَ: وَمَا هُوَ؟

قَالَ: «تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».

فَقَالَ: وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى مَا تَقُولُ؟

قَالَ: «هَذِهِ السَّلَمَةُ».

فَدَعَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِشَاطِئِ الْوَادِي فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ خَدًّا حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلَاثًا، فَشَهِدَتْ ثَلَاثًا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا، وَرَجَعَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ: إِنِ اتَّبَعُونِي أَتَيْتُكَ بِهِمْ، وَإِلَّا رَجَعْتُ، فَكُنْتُ مَعَكَ. رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالدَّارِمِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

فَمَا حَالُنَا يَا عِبَادَ اللهِ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَنَا ـ وَنَحْنُ العُقَلَاءُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾. نَحْنُ بِمِلْءِ أَفْوَاهِنَا نَقُولُ لِلْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ: أَرُونَا مَحْبُوبًا فِي الكَوْنِ كُلِّهِ كَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الحَبِيبُ المَحْبُوبُ، الَّذِي حَنَّ إِلَيْهِ الجِذْعُ عِنْدَمَا فَارَقَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ وَفَارَقَ الجِذْعَ، وَإِذَا بِالجِذْعِ يَخُورُ كَخُوَارِ الثَّوْرِ حَتَّى ارْتَجَّ المَسْجِدُ بِخُوَارِهِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاحْتَضَنَ الجِذْعَ، فَسَكَنَ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ مَا زَالَ هَكَذَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَصْلُهُ فِي البُخَارِيِّ.

الجَمَادُ عَشِقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَا بَالُ بَعْضِ القُلُوبِ مُعْرِضَةٌ عَنْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَيْنَ مَنْ يَتَحَدَّى رَسُولَ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَيْنَ مَنْ يَقِفُ فِي وَجْهِ النُّورِ الَّذِي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾. نُورُ رَسُولِ اللهِ سَوْفَ يَتِمُّ وَيَعُمُّ أَرْجَاءَ المَعْمُورَةِ، وَدِينُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ جَمِيعِ التَّشْرِيعَاتِ الوَضْعِيَّةِ وَالمُنَزَّلَةِ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَشْرِيعُهُ مَحْفُوظٌ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. أَيْنَ الَّذِي يَتَحَدَّى سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَرَبُّنَا القَائِلُ فِي حَقِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.

سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ، الطُّغَاةُ الحَاقِدُونَ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، نَقُولُ لِمَنْ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَكَانُوا تَلَامِذَةً لِهَؤُلَاءِ الطُّغَاةِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. هَذَا الطَّاغِيَةُ أَبُو جَهْلٍ يَقُولُ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ ـ تَفَضَّلْ أَيُّهَا المُتَحَدِّي. مِنْ جُمْلَةِ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ ـ.

قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَذَا هُوَ نَبِيُّنَا وَحَبِيبُنَا وَشَفِيعُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَيْنَ نَحْنُ يَا أُمَّةَ الإِسْلَامِ مِنْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟ نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ، سَتَحْتَفِلُ الدُّنْيَا، إِنْ شَاءَ مَنْ شَاءَ، وَإِنْ أَبَى مَنْ أَبَى، بِذِكْرَى مَوْلِدِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَكِنْ هَذَا الاحْتِفَالُ الَّذِي سَيَكُونُ اعْتِبَارًا مِنَ الغَدِ وَمَا بَعْدَهُ فِي الدُّنْيَا، هَلْ يَا تُرَى المَطْلُوبُ مِنَّا أَنْ نَجْعَلَ حَفْلَ مَوْلِدٍ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ نُقَدِّمَ الطَّعَامَ وَالحَلْوَى، وَمَسْلَكُنَا غَيْرُ مَسْلَكِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَذَا لَا يَلِيقُ يَا عِبَادَ اللهِ.

لِنُتَرْجِمْ عَنْ حُبِّنَا لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ خِلَالِ سُلُوكِنَا، وَأَخْلَاقِنَا، وَأَفْعَالِنَا، وَأَلَّا تَكُونَ لِقَاءَاتُنَا وَأَلَّا يَكُونَ اجْتِمَاعُنَا حُجَّةً عَلَيْنَا لَا لَنَا يَوْمَ القِيَامَةِ.

عَلَيْنَا أَنْ يَكُونَ هَذَا الحَبِيبُ المَحْبُوبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَافِعًا لَنَا، مِنْ خِلَالِ تَأَسِّينَا بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قُلْتُ لَكُمْ مَرَّةً: رَجُلٌ بِذِكْرَى مَوْلِدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَقَامَ حَفْلًا فِي هَذِهِ المُنَاسَبَةِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا، وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْوَتِهِ قَطِيعَةُ رَحِمٍ، فَدَخَلَ أَحَدُهُمْ وَقَلَّبَ بَصَرَهُ فِي الحَاضِرِينَ، فَلَمْ يَرَ إِخْوَةَ هَذَا الرَّجُلِ، فَهَمَسَ فِي أُذُنِهِ وَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا بِاللهِ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ تَحْتَفِلُ بِذِكْرَى مَوْلِدِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَيْنَ إِخْوَتُكَ؟ فَانْتَفَضَ هَذَا الرَّجُلُ انْتِفَاضَةً وَقَالَ: يَا أَخِي لَا تُكَدِّرْ عَلَيَّ صَفْوِي، دَعْنِي وَأَنَا مُنْشَرِحُ الفُؤَادِ، دَعْنِي وَأَنَا فَرِحٌ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

أَيُّ انْشِرَاحِ صَدْرٍ، وَأَيُّ حُبٍّ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَأَنْتَ قَاطِعٌ لِلرَّحِمِ؟ وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾. أَيُّ فَرَحٍ هَذَا؟ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَادِقًا فِي المَحَبَّةِ يَا أَيُّهَا المُحِبُّ، يَقُولُ لَكَ مَحْبُوبُكَ: «صِلْ مَنْ قَطَعَكَ». أَتَسْمَعُ هَذِهِ الكَلِمَةَ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ لَا تَسْمَعْ هَذَا الكَلَامَ مِنَ الخَطِيبِ وَلَا مِنْ أَيِّ مُتَكَلِّمٍ، اسْمَعْ هَذَا الكَلَامَ مِنْ قَلْبٍ تَقِيٍّ نَقِيٍّ اتَّصَلَ بِقَلْبِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: «صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمَكَ». قُلْ لَهُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ.

أَتَسْمَعُ يَا أَيُّهَا المُحِبُّ، أَتَسْمَعُ يَا مَنْ يَذْرِفُ الدُّمُوعَ، فَإِنْ كَانَتْ دُمُوعُكَ صَادِقَةً، إِذَا ذُكِرَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَسَعُكَ إِلَّا أَنْ تَقُولَ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِلَى ذِكْرَيَاتِ المَوْلِدِ، وَإِلَى الحَدِيثِ عَنِ الحَبِيبِ الأَعْظَمِ السَّنَدِ الأَعْلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، لِنَسْتَمِعَ إِلَى سِيرَتِهِ وَآدَابِهِ وَأَخْلَاقِهِ، وَلِنَتَحَدَّ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ البَشَرِيَّةَ جَمْعَاءَ، مِنْ خِلَالِ تَأَسِّينَا بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِنَفُوزَ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ، وَبِرَحْمَةِ اللهِ الَّتِي كَتَبَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَفْسِهِ، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الرَّحْمَةَ لَا يَنَالُهَا كُلُّ أَحَدٍ، إِنَّمَا بَيَّنَ مَنْ يَنَالُ هَذِهِ الرَّحْمَةَ، فَقَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾. إِنْ أَرَدْنَا الرَّحْمَةَ فَعَلَيْنَا بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: بَعْدَ غَدٍ يَوْمُ الأَحَدِ سَيَكُونُ اجْتِمَاعُنَا فِي الجَامِعِ الكَبِيرِ لِإِحْيَاءِ ذِكْرَى مَوْلِدِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَكِنْ أُنَاشِدُكُمُ اللهَ أَنْ نَتَوَجَّهَ جَمِيعًا بِقُلُوبٍ صَادِقَةٍ مُنْكَسِرَةٍ، سَائِلِينَ المَوْلَى أَنْ يَشْرَحَ صُدُورَنَا لِلْإِسْلَامِ، مَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَشْرَحَ صُدُورَنَا لِلْإِسْلَامِ، وَلِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

أَقُولُ هَذَا القَوْلَ، وَكُلٌّ مِنَّا يَسْتَغْفِرُ اللهَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**    **    **