طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَد روى الإمام أحمد عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَتَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ طُعِنَ، فَقَالَ: احْفَظْ عَنِّي ثَلَاثَاً، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا يُدْرِكَنِي النَّاسُ، أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَقْضِ فِي الْكَلَالَةِ قَضَاءً، وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ عَلَى النَّاسِ خَلِيفَةً، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهُ عَتِيقٌ.
والمَقْصُودُ بالكَلالَةِ هُوَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾. وقَد فَسَّرَ أَكْثَرُ العُلَمَاءِ الْكَلَالَةَ بِمَنْ يَمُوتُ ولَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ولا وَالِدٌ؛ ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْكَلَالَةُ مَنْ لا وَلَدَ لَهُ؛ ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْكَلَالَةُ اسْمٌ للوَرَثَةِ مَا عَدَا الوَالِدَيْنِ والمَوْلُودِينَ.
وَقَد أُشْكِلَ حُكْمُ الكَلَالَةِ على أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، كَمَا جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَلَا وَإِنَّ الْخَمْرَ نَزَلَ تَحْرِيمُهَا يَوْمَ نَزَلَ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، مِن الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، وَثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَدِدْتُ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَانَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهَا، الْجَدُّ وَالْكَلَالَةُ وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا.
وَقَد ثَبَتَ بِأَنَّ الكَلالَةَ آخِرُ مَا نَزَلَ في المَوَارِيثِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَن الْبَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ، وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُل اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾.
وبناء على ذلك:
فَسَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ تَوَرَّعَ عَن الإِفْتَاءِ في الكَلالَةِ، لِوُجُودِ الخِلافِ في تَعْرِيفِهَا، ولَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فِيهَا عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |