طباعة |
الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ القِرْبَةِ أَوِ السِّقَاءِ، وَأَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي دَارِهِ.
السِّقَاءُ: هُوَ الإِنَاءُ الذي يُوضَعُ فِيهِ المَاءُ، وَيَكُونُ لَهُ فَمٌ يُشْرَبُ مِنْهُ كَالقِرْبَةِ.
وروى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ جَدَّةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا: كَبْشَةُ الْأَنْصَارِيَّةُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَشَرِبَ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ؛ فَقَطَعَتْ فَمَ الْقِرْبَةِ تَبْتَغِي بَرَكَةَ مَوْضِعِ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
ثانياً: نَصَّ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ على كَرَاهَةِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ مُبَاشَرَةً، كَرَاهَةً تَنْزِيهِيَّةً، لَا للتَّحْرِيمِ.
فَالحَدِيثُ الأَوَّلُ يُفِيدُ النَّهْيَ، وَالثَّانِي يُفِيدُ الجَوَازَ، وَلِلْجَمْعِ بَيْنَ الحَدِيثَيْنِ قَالَ الفُقَهَاءُ: بِأَنَّ الذي يَشْرَبُ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ لِعُذْرٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ إِنَاءً لِيَشْرَبَ مِنْهُ، أَو لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الشُّرْبِ بِكَفِّهِ، فَلَا حَرَجَ عِنْدَهَا.
وَأَمَّا إِذَا شَرِبَ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَيُكْرَهُ كَرَاهَةً تَنْزِيهِيَّةً، لِوُجُودِ النَّهْيِ عَنْهُ.
وبناء على ذلك:
فَالشُّرْبُ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ يُكْرَهُ تَنْزِيهَاً لِمَنْ لَمْ يَجِدْ إِنَاءً، أَو لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الشُّرْبِ بِكَفِّهِ؛ أَمَّا إِذَا لَمْ يَجِدْ إِنَاءً، أَو لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الشُّرْبِ بِكَفِّهِ فَتَنْتَفِي الكَرَاهَةُ.
وَقَدْ عَلَّلَ العُلَمَاءُ هَذَا النَّهْيَ:
1ـ أَنَّ القِرْبَةَ أَو السِّقَاءَ لَا يَظْهَرُ مَا بِدَاخِلِهَا.
2ـ قَدْ يَغْلِبُهُ المَاءُ، فَيَشْرَقُ بِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |