طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَمِنَ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ العُلَمَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ، وَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ» فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رواه الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحَافِظُ على صِيَامِهِ، كَمَا جَاءَ في صَحِيحِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمَاً يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ، وَلَا شَهْرَاً إِلَّا هَذَا الشَّهْرَ؛ يَعْنِي رَمَضَانَ.
وَفِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْـمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ». لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَكَانَ يَسْتَأْلِفُهُمْ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾. فَالأَيَّامُ التي أَظْهَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى فِيهَا الرُّسُلَ أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ، لِذَا صَامَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وَلَمَّا كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ، وَاشْتُهِرَ الإِسْلَامُ، وَحَجَّ حَجَّةَ الوَدَاعِ، أَحَبَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُخَالَفَةَ اليَهُودِ، وَخَاصَّةً بَعْدَ ظُهُورِ عِنَادِهِمْ وَمَكْرِهِمْ وَخِدَاعِهِمْ، فَأَمَرَ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ يَوْمٌ قَبْلَهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْـمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ».
قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْـمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْـمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ يُفِيدُ أَنَّ الحَدِيثَ هَذَا كَانَ بَعْدَ عَامِ الفَتْحِ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَبَعْدَ حَجَّةِ الوَدَاعِ.
وبناء على ذلك:
فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مُنْذُ أَنْ قَدِمَ المَدِينَةَ، وَلَمْ يُخَالِفِ اليَهُودَ في ذَلِكَ، وَبَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |