طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ جَاءَ في المُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ للحَاكِمِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَبَعَثَ امْرَأَةً لِتَنْظُرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «شُمِّي عَوَارِضَهَا، وَانْظُرِي إِلَى عُرْقُوبَيْهَا».
قَالَ: فَجَاءَتْ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: أَلَا نُغَدِّيكِ يَا أُمَّ فُلَانٍ؟
فَقَالَتْ: لَا آكُلُ إِلَّا مِنْ طَعَامٍ جَاءَتْ بِهِ فُلَانَةٌ.
قَالَ: فَصَعِدْتُ فِي رَفٍّ لَهُمْ فَنَظَرَتْ إِلَى عُرْقُوبَيْهَا.
ثُمَّ قَالَتْ: أَفْلِينِي يَا بُنَيَّةُ.
قَالَ: فَجَعَلَتْ تُفْلِيهَا وَهِيَ تَشُمُّ عَوَارِضَهَا.
قَالَ: فَجَاءَتْ فَأَخْبَرَتْ. وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَفي رِوَايَةٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «انْظُرِي إلَى عُرْقُوبِهَا وَشُمِّي مَعَاطِفَهَا».
قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «شُمِّي عَوَارِضَهَا»، يَعْنِي الأَسْنَانَ التي في عَرْضِ الفَمِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الثَّنَايَا وَالأَضْرَاسِ، وَالمُرَادُ: اخْتِبَارُ رَائِحَةِ فَمِهَا.
قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَانْظُرِي إِلَى عُرْقُوبَيْهَا» العُرْقُوبُ: هُوَ الوَتَرُ الذي فُوَيْقَ العَقِبِ، أَمَرَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالنَّظَرِ إلى عُرْقُوبَيْهَا لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بَارِزًا ظَاهِرًا دَلَّ عَلَى نَحَافَةِ جِسْمِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى امْتِلَاءِ الجِسْمِ وَسُمْنِهِ.
قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَشُمِّي مَعَاطِفَهَا» المَعَاطِفُ هِيَ نَاحِيَتَا العُنُقِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإمام الحاكم في المُسْتَدْرَكِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَفِيهِ فَائِدَةٌ جَلِيَّةٌ، وَذَلِكَ بِالتَّعَرُّفِ عَلَى المَخْطُوبَةِ عَنْ طَرِيقِ امْرَأَةٍ يَثِقُ الخَاطِبُ بِهَا، تَنْظُرُ إلى مَخْطُوبَتِهِ، وَتُخْبِرُهُ بِصِفَتِهَا، وَتُخْبِرُهُ رَائِحَةَ النَّكْهَةِ مِنْ عَوَارِضِهَا وَمَعَاطِفِهَا، وَتَنْظُرُ إلى عُرْقُوبِهَا الذي مِنْ خِلَالِهِ يُعْرَفُ الجَمَالُ مِنَ الدَّمَامَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |