السؤال :
عِنْدَمَا قَرَأْتُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾. خَطَرَ في بَالِي، خُرُوجِي مِنْ بَيْتِي لِتَعْلِيمِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، هَلْ يَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِأَمْرِ اللهِ تعالى؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10690
 2020-10-06

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾. أَمْرٌ مِنَ اللهِ تعالى للمَرْأَةِ بِلُزُومِ البَيْتِ، وَأَنْ لَا تَخْرُجَ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وفي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ، وَإِنَّهَا إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ فَتَقُولُ: مَا رَآنِي أَحَدٌ إِلَّا أَعْجَبْتُهُ، وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ إِلَى اللهِ إِذَا كَانَتْ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا.

وروى البزار عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جِئْنَ النِّسَاءُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِالْفَضْلِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَمَا لَنَا عَمَلٌ نُدْرِكُ بِهِ عَمَلَ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَعَدَ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ مِنْكُنَّ فِي بَيْتِهَا فَإِنَّهَا تُدْرِكُ عَمَلَ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ». هذا أولًا.

ثانيًا: إِذَا خَرَجَتِ المَرْأَةُ مِنْ بَيْتِهَا للضَّرُورَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَلْتَزِمَ بِهَذِهِ القُيُودِ:

1ـ أَنْ تَكُونَ المَرْأَةُ غَيْرَ مَخْشِيَّةِ الفِتْنَةِ، أَمَّا الَّتِي يُخْشَى الافْتِتَانُ بِهَا فَلَا تَخْرُجُ أَصْلًا.

2ـ أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ مَأْمُونَةً مِنْ تَوَقُّعِ المَفْسَدَةِ وَإِلَّا حَرُمَ خُرُوجُهَا.

3ـ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا فِي زَمَنِ أَمْنِ الرِّجَالِ وَلَا يُفْضِي إِلَى اخْتِلَاطِهَا بِهِمْ؛ لِأَنَّ تَمْكِينَ النِّسَاءِ مِنَ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ العُقُوبَاتِ العَامَّةِ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ فَسَادِ أُمُورِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ، وَاختِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الفَوَاحِشِ وَالزِّنَى، وَإِقْرَارُ النِّسَاءِ عَلَى ذَلِكَ إِعَانَةٌ لَهُنَّ عَلَى الإِثْمِ وَالمَعْصِيَةِ، وَقَدْ مَنَعَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ النِّسَاءَ مِنَ المَشْيِ فِي طَرِيقِ الرِّجَال وَالاخْتِلَاطِ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ.

4ـ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا بِتَسَتُّرٍ تَامٍّ؛ وَبِدُونِ تَطَيُّبٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ» رواه الإمام أحمد عَنْ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الجَوْزِيَّةِ: يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الأَمْرِ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنَ الخُرُوجِ مُتَزَيِّنَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ، وَمَنْعُهُنَّ مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي يَكُنَّ بِهَا كَاسِيَاتٍ عَارِيَّاتٍ. اهـ.

5ـ أَنْ يَكُونَ الخُرُوجُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا الخُرُوجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ، أَنْ لَا تَهْجُرَ فِرَاشَهُ، وَأَنْ تَبَرَّ قَسَمَهُ، وَأَنْ تُطِيعَ أَمْرَهُ، وَأَنْ لَا تَخْرُجَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَنْ لَا تُدْخِلَ عَلَيْهِ مَنْ يَكْرَهُ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِذَا كَانَ خُرُوجُكِ لِتَعْلِيمِ القُرْآنِ الكَرِيمِ مُقَيَّدًا وَمُنْضَبِطًا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ، وَلَمْ تَكُنِ المَرْأَةُ في حَالَةِ حَيْضٍ وَلَا نِفَاسٍ وَلَا جَنَابَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى حِسَابِ وَاجِبَاتِ الزَّوْجِ وَالوَلَدِ وَالبَيْتِ فَيَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، وَتَكُونُ قَدْ خَالَفَتْ أَمْرَ اللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.