السؤال :
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10750
 2020-11-05

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

لَقَدْ أَمَرَ اللهُ تعالى نَبِيَّهُ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَوَامِرَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَبَعْدَهَا أَمَرَهُ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ اللُّجُوءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ، قَالَ تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾.

بَعْدَ هَذَا التَّكْلِيفِ أَمَرَهُ بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالتـَّضَرُّعِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾.

اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ في تَعْيِينِ المُرَادِ مِنَ الإِدْخَالِ وَالإِخْرَاجِ.

بَعْضُهُمْ قَالَ: المُرَادُ بِالإِدْخَالِ دُخُولُ المَدِينَةِ، وَبِالإِخْرَاجِ الخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ، وَذَلِكَ لِمَا روى الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثُمَّ أُمِرَ بِالهِجْرَةِ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾. وَبَدَأَ بِالإِدْخَالِ لِأَنَّهُ الأَهَمُّ.

وَبَعْضُهُمْ قَالَ: المُرَادُ إِدْخَالُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِدْخَالًا مَرْضِيًّا في كُلِّ مَا يَدْخُلُ فِيهِ وَيُلَابِسُهُ، مِنْ مَكَانٍ أَو أَمْرٍ، وَإِخْرَاجُهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ خُرُوجًا مَرْضِيًّا كَذَلِكَ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَقَدْ أُمِرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ بَعْدَ الْتِزَامِ الأَمْرِ، مِنْ جُمْلَةِ الدُّعَاءِ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾.

مِنْ حَيْثُ النَّظْرَةُ العَامَّةُ يَنْبَغي أَنْ يُطْلَبَ الخُرُوجَ أَوَّلًا، لِأَنَّ العَبْدَ لَا يَدْخُلُ إِلَّا بَعْدَ الخُرُوجِ، وَلَكِنْ هُنَا قَدَّمَ الدُّخُولَ عَلَى الخُرُوجِ، لِأَنَّ الدُّخُولَ هُوَ غَايَةُ الخُرُوجِ، وَلِأَنَّ الخُرُوجَ مَتْرُوكٌ، وَالدُّخُولَ مُسْتَقْبلٌ وَمَطْلُوبٌ، لِذَلِكَ يَقُولُونَ: إِيَّاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَمْرٍ إِلَّا إِذَا عَرَفْتَ كَيْفَ تَدْخُلُ.

وَمَعْنَى: ﴿مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ وَ ﴿مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ يَعْنِي وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ: أَنْ لَا تخْرُجَ مِنْ أَمْرٍ إِلَّا بِهَدَفٍ، وَلَا تَدْخُلَ في أَمْرٍ إِلَّا بِهَدَفٍ، فَإِذَا دَخَلْتَ مَكَانًا فلْيَكُنْ دُخُولُكَ مُدْخَلَ صِدْقٍ، أَيْ: لِهَدَفٍ تُرِيدُ تَحْقِيقَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ مَكَانٍ فَاخْرُجْ بِصِدْقٍ، أَيْ: لِهَدَفٍ تُرِيدُ تَحْقِيقَهُ.

وَكُلُّ هَذَا تَرْغِيبٌ لَنَا في أَنْ نَتَحَلَّى بِالصِّدْقِ في جَمِيعِ أُمُورِنَا. هذا، والله تعالى أعلم.