السؤال :
ما هو الحكم الشرعي في شراء بعض المواد المصادرة ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10885
 2021-01-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ مَا هُوَ حُكْمُ مُصَادَرَةِ الأَمْوَالِ، هَلْ هُوَ جَائِزٌ أَمْ لَا؟

ثانياً: مِنْ خِلَالِ مَعْرِفَةِ حُكْمِ المُصَادَرَةِ نَعْرِفُ حُكْمَ شِرَاءِ هَذِهِ الأَمْوَالِ المُصَادَرَةِ.

فَمَا هُوَ الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ للمُصَادَرَةِ؟

ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ المُسْلِمِ أَو إِتْلَافُهُ، أَو إِخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالبَيْعِ عُقُوبَةً بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ يُقْتَدَى بِهِ، لِأَنَّ المَقْصُودَ بِالعُقُوبَةِ التَّأْدِيبُ، وَالتَّأْدِيبُ لَا يَكُونُ بِهَذِهِ الصُّوَرِ التي ذَكَرْنَاهَا.

لِأَنَّ أَخْذَ المَالِ مِنَ المُعَاقَبِ امْتِلَاكًا، في الوَقْتِ الذي يَكُونُ تَأْدِيبًا وَزَجْرًا لَهُ، يَكُونُ كَسْبًا وَفَائِدَةً بِالنِّسْبَةِ للشَّخْصِ الذي امْتَلَكَ هَذَا المَالَ، سَوَاءٌ أَكَانَ شَخْصًا مَعْنَوِيًّا ـ كَالدَّوْلَةِ ـ أَو شَخْصًا عَادِيًّا، وَهَذِهِ النَّتِيجَةُ المُزْدَوَجَةُ تُعَدُّ مِنْ أَخْطَرِ مَظَاهِرِ التَّنَاقُضِ التي تُهَدِّدُ سَلَامَةَ المُجْتَمَعِ، لِأَنَّ الجَرِيمَةَ صَارَتْ عُنْصُرَ شَرٍّ لِمَنْ أُخِذَ مِنْهُ المَالُ، وَعُنْصُرَ خَيْرٍ لِمَنْ دَخَلَ المَالُ في حَوْزَتِهِ، هَذَا أَوًّلًا.

ثانياً: نَقْلُ المِلْكِيَّةِ مِنْ يَدٍ إلى يَدٍ أُخْرَى لَا بُدَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ الشَّرْعِيِّ الصَّحِيحِ، وَأَسْبَابُ التَّمَلُّكِ هِيَ: إِحْرَازُ المُبَاحَاتِ، أَو التَّوَلُّدُ مِنَ المَمْلُوكِ، أَو العُقُودِ، أَو الإِرْثِ، وَالمُصَادَرَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ سَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الأَسْبَابِ.

ثالثاً: أَمَّا النُّصُوصُ الوَارِدَةُ في العُقُوبَةِ بِالمَالِ، فَهَذَا إِنَّمَا كَانَ في أَوَّلِ الإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ، ثُمَّ اتَّفَقَ الأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَعَادَتِ العُقُوبَةُ عَلَى الجَرَائِمِ في الأَبْدَانِ.

رابعاً: وَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ في جَوَازِ التَّعْزِيرِ بِمُصَادَرَةِ الأَمْوَالِ، فَمَعْنَاهُ: إِمْسَاكُ الشَّيْءِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَهُ مُدَّةً لِيَنْزَجِرَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ الحَاكِمُ لَهُ، لَا أَنْ يَأْخُذَهُ الحَاكِمُ لِنَفْسِهِ، أَو لِبَيْتِ المَالِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ الظَّلَمَةُ، إِذْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ شِرَاءُ الأَمْوَالِ المُصَادَرَةِ، وَلَو كَانَتْ تُبَاعُ بِالمَزَادِ العَلَنِيِّ، لِأَنَّ بَائِعَهَا مَا مَلَكَهَا بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ صَحِيحٍ، وَلِأَنَّهَا تَفْتَحُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الشُّرُورِ وَفِيهَا تَمْزِيقُ كِيَانِ المُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ.

وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَعْزِيرِ المُخَالِفِ فَصُوَرُ التَّعْزِيرِ كَثِيرَةٌ وَكَثِيرَةٌ جِدًّا، ولولي الأمر أن يختار نوعاً من أنواع العقوبات زجراً للمخالف. هذا، والله تعالى أعلم.