السؤال :
سمعت من بعض السادة العلماء حديثاً، فأحببت أن أعرف صحة الحديث؟ والحديث هو: «من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله». وإذا كان الحديث صحيحاً فما معناه؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10891
 2021-01-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

هَذَا حَدِيثٌ شَرِيفٌ، رواه الترمذي عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَمَّا بَعْدُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ».

ورواه أبو داود في سُنَنِهِ في كِتَابِ الجِهَادِ، بَابٌ في الإِقَامَةِ بِأَرْضِ الشِّرْكِ.

وَقَالَ العَلَّامَةُ المَنَاوِيُّ في كِتَابِهِ فَيْضِ القَدِيرِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَمَعْنَى الحَدِيثِ وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ: مَنِ اشْتَرَكَ مَعَ مُشْرِكٍ في الإِقَامَةِ، وَجَامَعَهُ أَيْ اجْتَمَعَ بِهِ وَقَلَّدَهُ وَاشْتَرَكَ مَعَهُ في العَادَاتِ وَالهَيْئَةِ وَالزِّيِّ وَالخِصَالِ، وَتَأَثَّرَ بِعَادَاتِهِ فَهُوَ مِثْلُهُ في هَذِهِ الوُجُوهِ، فَإِنِ اسْتَحَلَّ عَادَاتِهِ وَهَيْئَتِهِ وَكَانَتْ مُنَاقِضَةً لِدِينِهِ فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ، وَإِلَّا فَهُوَ فَاسِقٌ.

لِأَنَّ إِقْبَالَهُ عَلَى عَدُوِّ اللهِ وَمُوَالَاتِهِ تُوجِبُ إِعْرَاضَهُ عَنِ اللهِ تعالى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنِ اللهِ تَوَلَّاهُ الشَّيْطَانُ وَنَقَلَهُ إلى الكُفْرِ بِنِعْمَةِ اللهِ، وَإِنَّ مُوَالَاةَ اللهِ U وَمُوَالَاةَ عَدُوِّهِ مُتَنَافِيَانِ.

وَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ يُلْزِمُ المُؤْمِنَ بِمُجَانَبَةِ أَعْدَاءِ اللهِ وَمُبَاعَدَتِهِمْ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَمُعَاشَرَتِهِمْ، قَالَ تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 28].

وَكَذَلِكَ هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ يُوجِبُ الهِجْرَةَ مِنْ دَارِ الكُفْرِ إلى دَارِ الإِيمَانِ، إِذَا عَجِزَ عَنْ إِظْهَارِ دِينِهِ وَالْتِزَامِهِ لِشَرْعِ اللهِ U.

وَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ إِشَارَةٌ إلى أَنَّ المُشَارَكَةَ في الظَّاهِرِ، تُورِثُ نَوْعَ مَوَدَّةٍ وَمَحَبَّةٍ وَمُوَالَاةٍ في البَاطِنِ، كَمَا أَنَّ المَحَبَّةَ في البَاطِنِ تُورِثُ المُشَابَهَةَ.

فَالمُوَالَاةُ للمُشْرِكِينَ تُنَافِي الإِيمَانَ ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51]. هذا، والله تعالى أعلم.