السؤال :
هناك من العلماء من أجاز قيادة السيارة للمرأة، فهل يحقُّ لها أن تسافر بسيارتها لوحدها أكثر من مسافة القصر؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10892
 2021-01-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقِيَادَةُ السَّيَّارَةِ أَمْرٌ مُبَاحٌ في الشَّرْعِ إِنْ كَانَ للرِّجَالِ أَو للنِّسَاءِ، وَالمَرْأَةُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ بِالضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ سَتْرِ عَوْرَتِهَا، وَالمَرْأَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَت اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ» رواه الترمذي.

وَفِي رِوَايَةٍ للطَّبَرَانِيِّ: «إِنَّمَا النِّسَاءُ عَوْرَةٌ، وَإِنَّ المَرْأَةَ لَتَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا وَمَا بِهَا مِنْ بَأْسٍ، فَيَسْتَشْرِفُ لَهَا الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ: إِنَّكِ لَا تَمُرِّينَ بِأَحَدٍ إِلَّا أَعْجَبْتِهِ، وَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَتَلْبَسُ ثِيَابَهَا، فَيُقَالُ: أَيْنَ تُرِيدِينَ؟ فَتَقُولُ: أَعُودُ مَرِيضًا، أَوْ أَشْهَدُ جِنَازَةً، أَوْ أُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ، وَمَا عَبَدَتِ امْرَأَةٌ رَبَّهَا مِثْلَ أَنْ تَعْبُدَهُ فِي بَيْتِهَا».

وفي رِوَايَةٍ أُخْرَى للطَّبَرَانِيِّ: «إِنَّ المَرْأَةَ عَوْرَةٌ، وَإِنَّهَا إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ فَتَقُولُ: مَا رَآنِي أَحَدٌ إِلا أَعْجَبْتُهُ، وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ إِلَى اللهِ إِذَا كَانَتْ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا).

وَمَسْأَلَةُ كَشْفِ الوَجْهِ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، مِنْهُمْ مَنِ اعْتَبَرَهُ عَوْرَةً وَقَالَ بِوُجُوبِ سَتْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَلَا يَجِبُ سَتْرُهُ، وَلَكِنِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى المَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ وَجْهَهَا إِذَا خُشِيَتِ الفِتْنَةُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَلَا حَرَجَ مِنْ قِيَادَةِ السَّيَّارَةِ بِالنِّسْبَةِ للمَرْأَةِ، إِذَا كَانَتْ بِحِجَابِهَا الشَّرْعِيِّ الكَامِلِ، وَأَنْ لَا تُسَافِرَ مَسَافَةَ القَصْرِ بِدُونِ مَحْرَمٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُسَافِرْ المَرْأَةُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» رواه البخاري ومسلم.

وفي رِوَايَةٍ لمسلم: «لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ».

وفي رِوَايَةٍ لمسلم: «لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ يَوْمَيْنِ مِنَ الدَّهْرِ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ زَوْجُهَا».

وَلَكِنْ نَنْصَحُ بِعَدَمِ قِيَادَةِ السَّيَّارَةِ للمَرْأَةِ للمَحْظُورَاتِ التَّالِيَةِ:

أولًا: قَدْ تُؤَدِّي قِيَادَةُ المَرْأَةِ للسَّيَّارَةِ إلى التَّسَاهُلِ في حِجَابِهَا، وَكَشْفِ وَجْهِهَا الذي هُوَ مَحَطُّ أَنْظَارِ الرِّجَالِ، وَالوَجْهُ هُوَ مَجْمَعُ المَحَاسِنِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.

ثانياً: قِيَادَةُ المَرْأَةِ للسَّيَّارَةِ قَدْ تُؤَدِّي إلى نَزْعِ الحَيَاءِ مِنْهَا، بِسَبَبِ كَثْرَةِ خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا، مَعَ أَنَّ الأَصْلَ في المَرْأَةِ المُكْثُ في البَيْتِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾. وَطَبِيعَةُ المَرْأَةِ الحَيَاءُ، حَتَّى صَارَتْ مَضْرِبَ المَثَلِ: فُلَانٌ أَحْيَا مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا.

ثالثاً: رُبَّمَا أَنْ تُعَرِّضَ نَفْسَهَا للفِتْنَةِ وَهِيَ في حَالَةِ غِنًى عَنْهَا، وَذَلِكَ بِالوُقُوفِ في مَحَطَّاتِ البنزين، وَعِنْدَ مَرَاكِزِ التَّفْتِيشِ، وَأَمَامَ شُرْطَةِ المُرُورِ، بِالإِضَافَةِ إلى أَعْطَالِ السَّيَّارَاتِ، أَو طُرُوءِ حَوَادِثِ السَّيْرِ، وَخَاصَّةً مَعَ شِدَّةِ الزِّحَامِ.

رابعاً: أَنْ تُصْبِحَ عِنْدَهَا جُرْأَةُ السَّفَرِ مَسَافَةَ القَصْرِ لِوَحْدِهَا بِدُونِ مَحْرَمٍ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَفَاسِدِ. هذا، والله تعالى أعلم.