طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالحَدِيثُ رَوَاهُ ابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامَاً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضَاً، فَيَجْعَلُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورَاً».
قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ.
قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا».
وَمَحَارِمُ اللهِ تعالى هِيَ الأُمُورُ التي حَرَّمَهَا اللهُ تعالى عَلَى الأُمَّةِ، كَالنَّظَرِ إلى النِّسَاءِ، وَالاخْتِلَاطِ، وَالتَّبَرُّجِ، وَالزِّنَا، وَالرِّبَا، وَالرِّشْوَةِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالغِيبَةِ، وَنَقْضِ مَا أَمَرَ اللهُ تعالى الوَفَاءَ بِهِ، وَقَطْعِ مَا أَمَرَ اللهُ تعالى بِهِ أَنْ يُوصَلَ.
فَمَحَارِمُ اللهِ لَفْظٌ عَامٌّ تَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ المَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ وَالكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ.
وَجَاءَ لَفْظُ مَحَارِمِ اللهِ في أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ:
روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَيْئَاً قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمَاً، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ»؟
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ.
فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسَاً وَقَالَ: «اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنَاً، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمَاً، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمَحَارِمُ اللهِ تعالى هِيَ الأُمُورُ التي حَرَّمَهَا اللهُ تعالى بِشَكْلٍ عَامٍّ، فَمَنِ اتَّقَاهَا، وَكَانَ عَلَى حَذَرٍ مِنَ الوُقُوعِ فِيهَا، وَخَاصَّةً في خَلْوَتِهِ، كَانَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ، وَتَكُونُ صَحِيفَتُهُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً مِنَ التَّبِعَاتِ.
وَالحَدِيثُ الشَّرِيفُ المَذْكُورُ في السُّؤَالِ يُشِيرُ إلى أَقْوَامٍ هُمْ في الظَّاهِرِ مِنْ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ، وَلَكِنْ إِذَا خَلَوْا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ تَقَصَّدُوا فِعْلَ مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |