السؤال :
مَا هُوَ تَفْسِيرُ هَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10208
 2020-03-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولًا: هَذَا الدُّعَاءُ رَوَاهُ الإمام مسلم في صَحِيحِهِ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ».

قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: كَيْفَ الْاسْتِغْفَارُ؟

قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ.

ثانيًا: ذَكَرَ الفُقَهَاءُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ للإِمَامِ وَالمَأْمُومِينَ عَقِبَ الصَّلَاةِ ذِكْرُ اللهِ تعالى وَالدُّعَاءُ بِالأَدْعِيَةِ المَأْثُورَةِ، وَالتي مِنْ جُمْلَتِهَا الاسْتِغْفَارُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَوْلُ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ».

ثالثًا: أَمَّا مَعْنَى كَلِمَاتِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، فَقَدْ ذَكَرَ العُلَمَاءُ بِأَنَّ كَلِمَةَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، تُفِيدُ بِأَنَّ اللهَ تعالى هُوَ السَّلَامُ، وَالسَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تعالى، كَمَا يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ السَّلَامَ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَضَعَهُ اللهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَرَّ عَلَى الْقَوْمِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ بِأَنَّهُ أَذْكَرَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ. رواه البيهقي.

وَقِيلَ في مَعْنَاهُ: السَّالِمُ مِنَ النَّقَائِصِ، وَصِفَاتِ المَخْلُوقِينَ.

وَقِيلَ: المُسَلِّمُ عِبَادَهُ.

وَقِيلَ: المُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ في الجَنَّةِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾.

فَهُوَ تَبَارَكَ وتعالى: المُنَزَّهُ المُسَلَّمُ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ؛ وَالسَّلَامَةُ تَحْصُلُ للنَّاسِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِهَذَا عِنْدَمَا يُسَلِّمُ الإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ، يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تعالى، يَدْعُو لَهُ بِالسَّلَامِ، وَالسَّلَامَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مِنَ اللهِ تعالى، وَتُطْلَبُ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: «وَمِنْكَ السَّلَامُ» أَيْ: مِنْكَ يُرْجَى السَّلَامُ وَيُسْتَوْهَبُ، لَا مِنْ غَيْرِكَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ السَّلَامُ الذي تُعْطِي السَّلَامَةَ، فَالكُلُّ مُفْتَقِرٌ إلى جَنَابِكَ بِأَنْ تُؤَمِّنَهُ وَتُسَلِّمَهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخَافُ مِنْهُ وَيَخْشَاهُ مِنَ المَخْلُوقَاتِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَا يَخْشَاهُ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ.

قَوْلُهُ: «تَبَارَكْتَ» أَيْ: تَكَاثَرَ خَيْرُكَ في الدَّارَيْنِ، وَكَثُرَتْ بَرَكَتُكَ في عَالَمِ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ.

قَوْلُهُ: «وَتَعَالَيْتَ» ـ هَذِهِ الكَلِمَةُ جَاءَتْ في رِوَايَةٍ أُخْرَى ـ  أَيْ: ارْتَفَعَتْ عَظَمَتُكَ، وَظَهَرَ قَهْرُكَ وَقُدْرَتُكَ عَلَى مَنْ في الكَوْنَيْنِ، وَتَعَالَيْتَ وَارْتَفَعْتَ عَنِ الشَّبِيهِ وَالنَّظِيرِ وَالمَثِيلِ، فَلَا شَبِيهَ لَكَ، وَلَا نَظِيرَ، وَلَا مَثِيلَ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

قَوْلُهُ: «تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ذَو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ذُو العَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ. اهـ.

فَهُوَ تَبَارَكَ وتعالى ذُو الْجَلَالِ الذي لَا جَلَالَ وَلَا كَمَالَ إِلَّا وَهُمَا لَهُ مُطْلَقَانِ، وَلَقَدْ عَمَّ جَلَالُهُ جَمِيعَ الأَكْوَانِ، فَلَمْ تُطِقِ الأَكْوَانُ رُؤْيَتَهُ في الدُّنْيَا لِهَيْبَةِ الجَلَالِ.

وَهُوَ تَبَارَكَ وتعالى ذَو الجُودِ وَالكَرَمِ، وَهُوَ الذي يُعْطِي مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَلَا وَسِيلَةٍ، وَعَطَاؤُهُ بِدُونِ حِسَابٍ.

فَيَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا، وَثَبِّتْنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَعَافِنَا وَاعْفُ عَنَّا، وَإلى غَيْرِكَ لَا تَكِلْنَا، وَدَبِّرْ لَنَا فَإِنَّا لَا نُحْسِنُ التَّدْبِيرَ، وَأَعْطِنَا مَا أَنْتَ أَهْلٌ لَهُ، لَا مَا نَحْنُ لَهُ أَهْلٌ، فَأَنْتَ يَا مَوْلَانَا أَهْلُ التَّقْوَى وَالمَغْفِرَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.