السؤال :
مَا حُكْمُ الرَّجُلِ الذي يُكْرِهُ زَوْجَتَهُ عَلَى مُشَاهَدَةِ الأَفْلَامِ الإِبَاحِيَّةِ، وَتَأْبَى عَلَيْهِ، فَهَدَّدَهَا إِنْ لَمْ تُشَاهِدْ تِلْكَ الأَفْلَامَ سَوْفَ يُطَلِّقُهَا، فَمَاذَا تَفْعَلُ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10211
 2020-03-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولًا: لَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ تعالى عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَرْعَى زَوْجَتَهُ، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ..... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ» رواه الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

ثانيًا: لَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ غَشَّ رَعِيَّتَهُ، أَو لَمْ يَقُمْ بِنُصْحِهَا شَرْعًا أَنْ يُحَرِّمَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ الجَنَّةَ، روى الإمام مسلم عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَمَا يَفْعَلُهُ الزَّوْجُ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَمُنْكَرٌ مِنْ أَعْظَمِ المُنْكَرَاتِ، وَإِثْمٌ عَظِيمٌ مِنَ الآثَامِ يَتَحَمَّلُهُ الزَّوْجُ يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى إِنْ لَمْ يَتُبْ إلى اللهِ تعالى مِنْ ذَلِكَ.

وَالأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَرْضَى بِارْتِكَابِ المَعْصِيَةِ وَحْدَهُ، بَلْ يُرِيدُ إِغْوَاءَ غَيْرِهِ، فَكَأَنَّهُ صَارَ آمِرًا بِالمُنْكَرِ، وَنَاهِيًا عَنِ المَعْرُوفِ، فَإِذَا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لُعِنُوا كَمَا قَالَ تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ صُبَّتْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَأْمُرُ بِالمُنْكَرِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى؟

وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ لَا تُطِيعَ زَوْجَهَا في ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَنْصَحَهُ وَتُذَكِّرَهُ بِاللهِ تعالى، بِالتي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِنِ اسْتَجَابَ وَتَرَكَ المُنْكَرَ فَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَيْهِ، وَأَرَادَ اللهُ بِهِ خَيْرًا، وَلَهَا الأَجْرُ في ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى، فَالإِثْمُ عَلَيْهِ لَا عَلَيْهَا، وَلْتَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُوَافِقَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَتَهْدِيدُهَا بِالطَّلَاقِ لَيْسَ مُبَرِّرًا لَهَا لِارْتِكَابِ هَذِهِ المَعْصِيَةِ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ.

وَأَخِيرًا: أَيْنَ حَيَاؤُهُ وَأَيْنَ غَيْرَتُهُ وَهُوَ يَدْعُو زَوْجَتَهُ للنَّظَرِ إلى العَوْرَاتِ الفَاحِشَةِ للرِّجَالِ بِمَا لَا تَخْلُو مِنْهُ الأَفْلَامُ الإِبَاحِيَّةُ وَبِمَا يُعَرِّضُ زَوْجَتَهُ للوُقُوعِ في اسْتِبَاحَةِ مَا زَيَّنَ لَهَا زَوْجُهَا.

وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ. وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

اللَّهُمَّ احْفَظِ المُسْلِمِينَ وَأَعْرَاضَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.