السؤال :
مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10267
 2020-04-01

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾.

هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ فِيهَا تَوْبِيخٌ لليَهُودِ، الذينَ مَا عَظَّمُوا اللهَ حَقَّ تَعْظِيمِهِ، وَمَا عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ في اللُّطْفِ بِعِبَادِهِ، وَفي الرَّحْمَةِ بِهِمْ، بَلْ أَخَلُّوا بِحُقُوقِهِ إِخْلَالًا عَظِيمًا، وَضَلُّوا ضَلَالًا كَبِيرًا، إِذْ أَنْكَرُوا بِعْثَةَ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالَ الكُتُبِ، وَقَالُوا تِلْكَ المَقُولَةَ الشَّنْعَاءَ: ﴿مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾. قَاصِدِينَ بِهَذَا القَوْلِ الطَّعْنَ في نُبُوَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفي أَنَّ القُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى.

وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُلْزِمَهُمْ بِمَا يُخْرِسُ أَلْسِنَتَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾؟ وَلَنْ يَجِدُوا سَبِيلًا للجَوَابِ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا: اللهُ.

ثُمَّ بَيَّنَ اللهُ تعالى مَا فَعَلَهُ هَؤُلَاءِ المُجْرِمُونَ، فَقَالَ: ﴿تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا﴾.

القَرَاطِيسُ: جَمْعُ قِرْطَاسٍ، وَهُوَ مَا يُكْتَبُ فِيهِ مِنْ وَرَقٍ وَنَحْوِهِ، أَيْ: تَجْعَلُونَ الكِتَابَ الذي أَنْزَلَهُ اللهُ تعالى عَلَى سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نُورًا وَهِدَايَةً للنَّاسِ أَوْرَاقًا مَكْتُوبَةً مُتَفَرِّقَةً لِتَتَمَكَّنُوا مِنْ إِظْهَارِ مَا تُرِيدُونَ إِظْهَارَهُ مِنْهَا، وَمِنْ إِخْفَاءِ الكَثِيرِ مِنْهَا، عَلَى حَسَبِ مَا تُمْلِيهِ عَلَيْكُم نُفُوسُكُمُ السَّقِيمَةُ، وَشَهَوَاتُكُمُ الأَثِيمَةُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ ذَمٌّ لليَهُودِ المُحَرِّفِينَ لِكُتُبِ اللهِ تعالى، وَتَوْبِيخٌ عَلَى هَذَا الفِعْلِ الشَّنِيعِ، الذينَ قَصَدُوا مِنْ وَرَائِهِ الطَّعْنَ بِنُبُوَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّوَصُّلَ إلى مَا يَبْغُونَهُ مِنْ مَطَامِعَ وَأَهْوَاءٍ.

حَيْثُ جَعَلُوا التَّوْرَاةَ قَرَاطِيسَ أَوْرَاقًا مُتَفَرِّقَةً يُظْهِرُونَ مِنْهَا مَا أَرَادُوا، وَيُخْفُونَ مِنْهَا مَا أَرَادُوا. هذا، والله تعالى أعلم.