السؤال :
رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ دَعَانَا إلى التَّوْبَةِ، فَقَالَ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. فَالتَّوْبَةُ تَكُونُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ خِلَالِ هَذَا كَيْفَ نَفْهَمُ قَوْلَ أُمِّنَا السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإلى رَسُولِهِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11454
 2021-08-29

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ التَّوْبَةَ تَكُونُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ عِبَادَةٌ مِنْ أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَعْظَمِهَا، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تعالى بِهَا جَمِيعَ عِبَادِهِ ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

أَمَّا قَوْلُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا: أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإلى رَسُولِهِ، فَقَدْ روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى البَابِ، فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُوبُ إِلَى اللهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟».

قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ».

وَقَالَ: «إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ».

هَذَا مِنْ تَمَامِ أَدَبِهَا مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَمَا رَأَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ امْتَنَعَ عَنِ الدُّخُولِ إلى البَيْتِ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: مَاذَا أَذْنَبْتُ يَا رَسُولَ اللهِ في حَقِّكَ؟ فَإِنِّي أَتُوبُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ، وَأَرْجِعُ عَنْ خَطَئِيَ الذي حَصَلَ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَبَعْضُ العُلَمَاءِ حَمَلَ قَوْلَ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإلى رَسُولِهِ؛ عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنِ الخَطَأِ الذي حَصَلَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، حَتَّى امْتَنَعَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّخُولِ إلى البَيْتِ، وَهِيَ مُسْتَغْفِرَةٌ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَنْبِهَا، إِنْ كَانَتْ أَذْنَبَتْ.

وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إِنَّهَا تَابَتْ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ مَعْرِفَةِ ذَنْبِهَا إِنْ حَصَلَ، وَتَوْبَتُهَا عَلَى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَهَذَا مِنْ كَمَالِ وَحُسْنِ أَدَبِهَا رَضِيَ اللهُ عَنْها وَأَرْضَاهَا. هذا، والله تعالى أعلم.