السؤال :
جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟» مَا الفَارِقُ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ» وَبَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ «وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ»؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11679
 2022-01-09

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالحَدِيثُ صَحِيحٌ رَواه الإمام مسلم.

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ» فِيهِ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إلى أَنَّ هَذَا العَبْدَ كَانَ مَأْكَلُهُ مِنْ حَرَامٍ في صِغَرِهِ، وَكَذَلِكَ مَشْرَبُهُ، وَاسْتَمَرَّ إلى حَالِ كِبَرِهِ، فَمِنْ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ غُذِيَ بِالحَرَامِ، وَشَابَ عَلَى ذَلِكَ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ.

وَقَدْ  يَكُونُ المَعْنَى: مَطْعَمُهُ حَرَامٌ لِذَاتِهِ، وَكَذَلِكَ مَشْرَبُهُ حَرَامٌ لِذَاتِهِ؛ فَأَكَلَ ـ عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ ـ الخِنْزِيرَ، وَشَرِبَ الخَمْرَ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ الحَاصِلِ لَهُ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ، حَيْثُ أَطْعَمَهُ غَيْرُهُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ» إِمَّا لِذَاتِهِ، وَإِمَّا لِكَسْبِهِ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ» أَيْ: مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ غُذِيَ بِالحَرَامِ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَتُبْ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ دُخُولِهِ سِنَّ التَّكْلِيفِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى أَكْلِ الحَرَامِ.

فَمَنْ كَانَ هَذَا وَصْفَهُ لَا يُسْتَجَابُ لِدُعَائِهِ، لِأَنَّ الحَرَامَ يَكُونُ حَاجِزًا لِدُعَائِهِ عَنِ الاسْتِجَابَة.

وَمَنْ أَرَادَ اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ فَعَلَيْهِ بِالطَّعَامِ الحَلَالِ بِذَاتِهِ وَبِكَسْبِهِ؛ فَلَا يَأْكُلْ إِلَّا مَا أَحَلَّ اللهُ لَهُ أَكْلَهُ، وَلَا يَسْلُكْ في سَبِيلِ تَحْصِيلِ الرِّزْقِ إِلَّا الطَّرِيقَ المَشْرُوعَ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الصَّغِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: تُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾.

فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا سَعْدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ».

فَالمَطْعَمُ الحَلَالُ مِنْ أَسْبَابِ اسْتِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَقَبُولِ العَمَلِ. هذا، والله تعالى أعلم.