السؤال :
مَا حُكْمُ الرَّجُلِ الذي غَادَرَ وَطَنَهُ، وَتَرَكَ زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ، وَلَا يَرْضَى أَنْ يَأْخُذَ الزَّوْجَةَ وَالأَوْلَادَ لِعِنْدِهِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11695
 2022-01-11

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالوَاجِبُ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا كُلَّ الحِرْصِ عَلَى سَلَامَةِ دِينِ زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَأَنْ يَسْتَحْضِرَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ» رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. هَذَا أولًا.

ثانيًا: وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ إِعْفَافُ زَوْجَتِهِ عَنِ الحَرَامِ، كَمَا هُوَ الوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِفَّ نَفْسَهُ، وَإِنْ قَصَّرَ في ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ إِنْ لَمْ تَرْضَ الزَّوْجَةُ بِغِيَابِهِ.

ثالثًا: الإِقَامَةُ في الدُّوَلِ الكَافِرَةِ فِيهَا خُطُورَةٌ كَبِيرَةٌ، وَمِنْ جُمْلَةِ الفِتَنِ أَنْ يَقُومَ بِالأَعْمَالِ المُحَرَّمَةِ شَرْعًا مِنْ بَيْعِ المُحَرَّمِ في دِينِنَا، وَالاخْتِلَاطِ بِالنِّسَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِنْ غَادَرَ الرَّجُلُ وَطَنَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِرِضَا الزَّوْجَةِ، وَكَانَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ بِدِينِهِ، وَيَقْوَى عَلَى إِظْهَارِهِ وَالاعْتِزَازِ بِهِ، وَكَانَ آمِنًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الفِتَنِ، وَخَاصَّةً فِتْنَةَ النِّسَاءِ، وَكَانَ عَمَلُهُ مُبَاحًا شَرْعًا، وَكَانَ ضَامِنًا زَوْجَتَهُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى أَنَّهَا لَا تَنْحَرِفُ، فَلَا حَرَجَ مِنْ مُغَادَرَةِ وَطَنِهِ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِرِضَا الزَّوْجَةِ، وَكَانَ مُصِرًّا عَلَى عَدَمِ أَخْذِ زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ لِعِنْدِهِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَتِ المَرْأَةُ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا مِنَ الضَّيَاعِ، فَيَكُونُ آثِمًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلى وَطَنِهِ إِنْ لَمْ يَأْخُذْ زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ لِعِنْدِهِ، وَلْيَسْتَحْضِرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾. هذا، والله تعالى أعلم.