السؤال :
مَا حُكْمُ الإِنْسَانِ الذي يَتُوبُ إلى اللهِ تعالى مِنْ ذَنْبٍ ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهِ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11717
 2022-01-16

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعًا أَنْ نَتُوبَ إلى اللهِ تعالى مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ نَقَعُ فِيهِ، فَكُلُّنَا خَطَّاءٌ، روى الحاكم وابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ».

وَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى دَعَانَا إلى التَّوْبَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾. وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾. هَذَا أولًا.

ثانيًا: لَا بُدَّ للتَّائِبِ مِنْ تَحْقِيقِ شُرُوطِ التَّوْبَةِ، وَشُرُوطُهَا:

أَوَّلُهَا: الإِخْلَاصُ فِيهَا للهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾.

فَيَجِبُ عَلَى التَّائِبِ أَنْ يَقْصِدَ بِتَوْبَتِهِ وَجْهَ اللهِ تعالى.

ثَانِيهَا: الإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ.

ثَالِثُهَا: النَّدَمُ عَلَى مَا حَصَلَ مِنْهُ.

رَابِعُهَا: العَزْمُ عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ إلى الذَّنْبِ.

خَامِسُهَا: أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ قَبْلَ وُقُوعِ الرُّوحِ في الغَرْغَرَةِ، روى الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ».

سَادِسُهَا: هَجْرُ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَبَلَدِ السُّوءِ، وَالدَّلِيلُ حَدِيثُ قَاتِلِ مِئَةِ نَفْسِ، حَيْثُ وَرَدَ في نَصِّ ذَلِكَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثالثًا: مَنْ تَابَ وَصَدَقَ في تَوْبَتِهِ، وَحَقَّقَ شُرُوطَ التَّوْبَةِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ ثَانِيَةً، فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِمَا بَدَأَ بِهِ مِنَ التَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا ـ وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا ـ فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ ـ وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ ـ فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ ـ أَوْ أَصَبْتُ ـ آخَرَ، فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ ـ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ ـ آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَعَلَى هَذَا العَبْدِ أَنْ يَتُوبَ كُلَّمَا وَقَعَ في الذَّنْبِ، وَأَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا شُرُوطَ التَّوْبَةِ في كُلِّ مَرَّةٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ». يعْنِي: مَا دَام يَتُوبُ إلى اللهِ تعالى مُحَقِّقًا شُرُوطَ التَّوْبَةِ، فَإِنَّ اللهَ تعالى يَغْفِرُ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الحاكم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، اتَّقِ اللهَ حَيْثُ كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». وَالحَسَنَةُ هِيَ التَّوْبَةُ.

وَعَلَى العَبْدِ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَوْبَتُهُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ، فَهَذِهِ تَوْبَةُ الكَذَّابِينَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.