السؤال :
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11728
 2022-01-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالآيَاتُ تَتَحَدَّثُ عَنْ مَسِيرِ ذِي القَرْنَيْنِ، بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ، وَبَعْدَ أَنْ بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، سَارَ في طَرِيقٍ مُعْتَرِضٍ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، آخِذًا فِيهِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ في مَسِيرِهِ ذَلِكَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ، أَيْ: الجَبَلَيْنِ، وَسُمِّيَ الجَبَلُ سَدًّا، لِأَنَّهُ سَدَّ فَجًّا مِنَ الأَرْضِ.

﴿وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا﴾ يَعْنِي مِنْ وَرَائِهِمَا ﴿قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ يَعْنِي: وَجَدَ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ لُغَتُهُمْ لَا تَكَادُ تُعْرَفُ لِبُعْدِهِمْ عَنْ بَقِيَّةِ النَّاسِ، فَلُغَتُهُمْ غَرِيبَةٌ، وَفِطْنَتُهُمْ قَلِيلَةٌ، وَكَذَلِكَ لَا يَعْرِفُ النَّاسُ أَيْضًا مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ القَوْمُ لَهُمْ، لِشِدَّةِ عَجَمِيَّتِهِمْ.

عِنْدَ ذَلِكَ احْتَالَ ذُو القَرْنَيْنِ حَتَّى يَفْهَمَ عَنْهُمْ وَيُخَاطِبَهُمْ، وَذَلِكَ لِحِرْصِهِ عَلَى نَفْعِهِمْ وَمَا يُصْلِحُهُمْ، وَهَذِهِ صِفَةُ الحَاكِمِ المُؤْمِنِ حِينَ يُمَكَّنُ في الأَرْضِ، وَتُعْطَى لَهُ أَسْبَابُ القِيَادَةِ، وَيُفَوَّضُ في خَلْقِ اللهِ، وَلَو لَمْ يَكُنْ حَرِيصًا عَلَى نَفْعِهِمْ لَوَجَدَ العُذْرَ في كَوْنِهِ لَا يَفْهَمُ مِنْهُمْ، وَلَا يَفْهَمُونَ مِنْهُ.

فَلَمَّا تَوَصَّلُوا إلى لُغَةٍ مُشْتَرَكَةٍ، رُبَّمَا هِيَ لُغَةُ الإِشَارَةِ التي نَتَفَاهَمُ بِهَا مَعَ الأَخْرَسِ مَثَلًا، ﴿قَالُوا﴾ بِاللُّغَةِ التي تَوَصَّلُوا إِلَيْهَا للتَّفَاهُمِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذِي القَرْنَيْنِ: ﴿يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَذُو القَرْنَيْنِ الْتَقَى بِهَؤُلَاءِ القَوْمِ الذينَ لَا يَكَادُونَ أَنْ يَفْقَهُوا قَوْلًا، أَيْ: يُقَارِبُونَ أَلَّا يَفْقَهُوا قَوْلًا، يَعْنِي لَا يَعْرِفُونَ لُغَةَ ذِي القَرْنَيْنِ وَمَنْ مَعَهُ، وَلَا يَعْرِفُ لُغَتَهُمْ، فَاحْتَالَ عَلَيْهِمْ حَتَّى وَصَلُوا جَمِيعًا إلى لُغَةٍ يَتَفَاهَمُونَ عَلَيْهَا، فَقَالُوا: ﴿يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾. هذا، والله تعالى أعلم.