السؤال :
مَا حُكْمُ دَفْنِ الإِنْسَانِ المُسْلِمِ في مَقَابِرِ غَيْرِ المُسْلِمِينَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11884
 2022-04-02

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدِ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ دَفْنِ المُسْلِمِينَ في مَقَابِرِ غَيْرِ المُسْلِمِينَ، وَلَا العَكْسُ، إِلَّا في حَالَةِ الضَّرُورَةِ القُصْوَى، كَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَكَانٌ في غَيْرِهَا، وَلَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلى مَكَانٍ آخَرَ، وَخُشِيَ تَغَيُّرُ جُثَّتِهِ.

وَهَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنْ زَمَنِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَزَمَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَمَنْ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَلَا يُدْفَنُ مُسْلِمٌ في مَقَابِرِ غَيْرِ المُسْلِمِينَ.

رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، أَنَّ بَشِيرَ ابْنَ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ شَرًّا كَثِيرًا» (أَيْ: سَبَقُوهُ حَتَّى جَعَلُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَوَصَلُوا إِلَى الْخَيْرِ).

ثُمَّ مَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ خَيْرًا كَثِيرًا» (وَالكُفَّارُ عَلَى العَكْسِ).

فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ (أَيْ: حَصَلَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ) فَرَأَى رَجُلًا يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ فِي نَعْلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِهِمَا». (نِسْبَةً إِلَى السَّبْتِ وَهُوَ جُلُودُ الْبَقَرِ المَدْبُوغَةُ بِالقَرْظِ يُتَّخَذُ مِنْهَا النِّعَالُ أُرِيدَ بِهِمَا النَّعْلَانِ المُتَّخَذَانِ مِنَ السَّبْتِ وَأَمَرَهُ بِالْخلْعِ احْتِرَامًا للمَقَابِرِ عَنِ الْمَشْيِ بَيْنَهَا بِهِمَا أَوْ لِقَذَرٍ بِهِمَا أَوْ لِاخْتِيَالِهِ فِي مَشْيِهِ).

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَلَا يَجُوزُ دَفْنُ مُسْلِمٍ في مَقَابِرِ غَيْرِ المُسْلِمِينَ، وَعَلَى المُقِيمِ في بِلَادٍ غَيْرِ مُسْلِمَةٍ، أَنْ يَتَنَبَّهَ إلى مِثْلِ هَذَا الأَمْرِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مَقْبَرَةٌ للمُسْلِمِينَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُغَادِرَ تِلْكَ البِلَادَ فِرَارًا بِدِينِهِ، وَحَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ إِقَامَةِ شَعَائِرِ دِينِهِ؛ وَمِنْ شَعَائِرِ دِينِهِ أَنْ يُدْفَنَ في مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ إِنْ مَاتَ هُنَاكَ.

وَمَنْ مَاتَ هُنَاكَ وَلَمْ تُوجَدْ مَقْبَرَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ هُنَاكَ، وَكَانَ بِإِمْكَانِ وَرَثَتِهِ أَنْ يَنْقُلُوهُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ نَقْلُهُ إِذَا أُمِنَ عَلَى جُثْمَانِهِ مِنَ التَّفَسُّخِ، وَإِلَّا فَيُدْفَنُ هُنَاكَ للاضْطِرَارِ. هذا، والله تعالى أعلم.