السؤال :
هَلْ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾. خَاصٌّ بِأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، أَمْ لِجَمِيعِ النِّسَاءِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11977
 2022-06-01

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَإِنَّ القُرْآنَ العَظِيمَ عَامٌّ للنَّاسِ جَمِيعًا، مِنْ زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾.

وَمِنَ المَعْلُومِ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، فَالآيَةُ الكَرِيمَةُ عَامَّةٌ تَشْمَلُ جَمِيعَ النِّسَاءِ مِنْ زَمَنِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ.

كَآيَاتِ الطَّلَاقِ، أَو الظِّهَارِ، أَو اللِّعَانِ، أَو حَدِّ السَّرِقَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الشَّخْصِ المُعَيَّنِ الذي كَانَ سَبَبًا في نُزُولِ الآيَةِ.

يَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: في هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ تعالى أَذِنَ في مَسْأَلَتِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، في حَاجَةٍ تُعْرَضُ، أَو مَسْأَلَةٍ يُسْتَفْتَيْنَ فِيهَا؛ وَيَدْخُلُ في ذَلِكَ جَمِيعُ النِّسَاءِ. اهـ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ أَدَبًا سَمَاوِيًّا أَدَّبَ بِهِ خَيْرَ نِسَاءِ الدُّنْيَا، وَهُنَّ نِسَاءُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، سَيِّدِ الخَلْقِ عَلَى الإِطْلَاقِ، فَأَمَرَ فِيهِ جَمِيعَ الرِّجَالِ أَنْ لَا يَسْأَلُوهُنَّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، ثُمَّ بَيَّنَ الحِكْمَةَ في ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾. فَسَلَامَةُ قُلُوبِ كُلٍّ مِنَ الجِنْسَيْنِ بِعَدَمِ المُخَالَطَةِ، وَعَدَمِ الحَدِيثِ مَعَ الطَّرَفِ الثَّانِي إِلَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ طَهَارَةِ المُجْتَمَعِ.

فَهَذَا الأَدَبُ السَّمَاوِيُّ الكَرِيمُ كَفِيلٌ بِصِيَانَةِ أَعْرَاضِ النَّاسِ، وَكَفِيلٌ بِعَفَافِ المُجْتَمَعِ وَحِفْظِ الكَرَامَةِ وَالشَّرَفِ، وَهَذَا الأَمْرُ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، بَلْ هُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ نِسَاءِ المُسْلِمِينَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، لِأَنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ؛ وَلِأَنَّ طَهَارَةَ القُلُوبِ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ كَمَا لَا يَخْفَى. هذا، والله تعالى أعلم.