السؤال :
انْتَشَرَ بيْنَ النِّسَاءِ الآنَ الذَّهَابُ إلى حَفَلَاتِ الأَعْرَاسِ وَغَيْرِهَا مَعَ وُجُودِ المُنْكَرَاتِ، بِحُجَّةِ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، وَبَعْضُ النِّسَاءِ يَعْتَبِرْنَ ذَلِكَ مُبَاحًا مُسْتَدِلَّاتٍ بِحُضُورِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَارَ النَّدْوَةِ مَعَ وُجُودِ المُنْكَرَاتِ، كَشُرْبِ الخَمْرِ، فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11989
 2022-06-08

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾.

وَيَقُولُ تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.

وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ».

ثَالِثًا: مُنْكَرَاتُ الأَعْرَاسِ كَثِيرَةٌ، وَخَاصَّةً عِنْدَ النِّسَاءِ؛ مِنْ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ:

1ـ الثِّيَابُ الرَّقِيقَةُ الشَّفَّافَةُ، أَو القَصِيرَةُ، مَعَ وُجُودِ الطِّيبِ، وَهَذَا مُنْكَرٌ مِنَ المُنْكَرَاتِ لَا يَجُوزُ السُّكُوتُ عَنْهُ عِنْدَ حُضُورِ مِثْلِ هَذِهِ الحَفَلَاتِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا».

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالحَاكِمُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ».

2ـ الغِنَاءُ وَالمُوسِيقَا، وَخُرُوجُ أَصْوَاتِ المُغَنِّيَاتِ أَو المُنْشِدَاتِ، وَهَذَا حَرَامٌ شَرْعًا، لِمَا رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ ـ العَلَمُ : الَجَبلُ ـ ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ ـ يَعْنِي الفَقِيرَ ـ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ ـ أي : يُوقِعُ الجَبَلَ عَلَيْهِم ـ ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ».

3ـ وُجُودُ التَّصْوِيرِ الذي صَارَ مَفْسَدَةً عَرِيضَةً لَا يَتَنَبَّهُ إِلَيْهَا النَّاسُ اليَوْمَ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِنَّ حُضُورَ الحَفَلَاتِ التي فِيهَا مُنْكَرَاتٌ لَا يَجُوزُ شَرْعًا، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾.

وَأَمَّا الادِّعَاءُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْضُرُ في دَارِ النَّدْوَةِ للدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، مَعَ وُجُودِ شُرْبِ الخَمْرِ، فَادِّعَاءٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ صَحَّ هَذَا النَّبَأُ، فَالقِيَاسُ في غَيْرِ مَحَلِّهِ، لِأَنَّ الخَمْرَ مَا حُرِّمَتْ إِلَّا في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.