السؤال :
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11055
 2021-03-17

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: جَاءَ التَّشْرِيعُ الإِسْلَامِيُّ مُتَدَرِّجًا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَدْعَى إلى تَقَبُّلِهِ وَعَدَمِ النُّفُورِ مِنْهُ.

وَقَدْ كَانَ الرِّبَا مُتَفَشِّيًا في المُجْتَمَعِ، فَجَاءَ التَّشْرِيعُ مُحَرِّضًا المُسْلِمِينَ عَلَى تَرْكِ الرِّبَا بِدَايَةً، بِأَنْ نَهَى عَنِ الرِّبَا المُتَرَاكِبِ، أَو المُتَضَاعِفِ دُونَ النَّهيِ عَنْهُ عَامَّةً، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾.

ثُمَّ جَاءَ خِتَامُ التَّشْرِيعِ بِتَحْرِيمِهِ نِهَائِيًّا، نَهْيًا عَامًّا شَامِلًا، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾. هذا أولًا.

ثانيًا: وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: إِنَّ المُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾. هُوَ بَيَانُ الوَاقِعِ، لَا اخْتِصَاصُ التَّحْرِيمِ بِحَالَةِ المُضَاعَفَةِ، بَلْ جَاءَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ لِتُؤَكِّدَ عَلَى شُنْعَةِ فِعْلِهِمْ وَقُبْحِهِ، فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾. كَانَ تَوْصِيفًا لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ العَادَةِ التي يَعْتَادُونَهَا في الرِّبَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُرَابُونَ إلى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الأَجَلُ زَادُوا في المَالِ مِقْدَارًا يَتَرَاضَوْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَزِيدُونَ في أَجَلِ الدَّيْنِ، فَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، حَتَّى يَأْخُذَ المُرَابِي أَضْعَافَ دَيْنِهِ الذي كَانَ لَهُ في الابْتِدَاءِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَبَعْضُ الفُقَهَاءِ قَالُوا: هَذِهِ الآيَةُ جَاءَتْ لِتَحْرِيمِ الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، ثُمَّ حُرِّمَ الرِّبَا تَحْرِيمًا كُلِّيًّا، وَهَذَا التَّدَرُّجُ يُشْبِهُ التَّدَرُّجَ في تَحْرِيمِ الخَمْرِ.

وَبَعْضُهُمْ قَالَ: هَذَا تَوْصِيفٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ في المُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: الرِّبَا مُحَرَّمٌ في جَمِيعِ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ. هذا، والله تعالى أعلم.