السؤال :
وَلَدِي مُقِيمٌ في أَلْمَانْيَا، وَيُرِيدُ الزَّوَاجَ مِنِ امْرَأَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ بِنِيَّةِ أَخْذِ الجِنْسِيَّةِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، فَهَلْ هَذَا جَائِزٌ شَرْعًا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12415
 2023-02-21

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَأَخْذُ الجِنْسِيَّةِ في دَوْلَةٍ كَافِرَةٍ بِشَكْلٍ عَامٍّ فِيهِ إِشْكَالٌ، لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ المُوَالَاةِ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

وَيَقُولُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾.

وَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ» رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَذَا في حَقِّ المُسْلِمِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ مُتَأَثرًا لَا مُؤَثِّرًا، وَكَانَ ضَعِيفًا في إِيمَانِهِ؛ وَالأَصْلُ مَنْعُ الإِقَامَةِ في تِلْكَ الدُّوَلِ، وَخَاصَّةً أَنَّهَا تُحَارِبُ الإِسْلَامَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الإِنْسَانُ مُضْطَرًّا إِلَيْهَا فَجَائِزٌ أَخْذُهَا، وَلَكِنْ بِالشُّرُوطِ الآتِيَةِ:

1ـ انْسِدَادُ أَبْوَابِ العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ في وَجْهِ المُضْطَرِّ.

2ـ أَنْ يَنْوِيَ العَوْدَةَ إلى بَلَدِهِ أَو إلى أَيِّ بَلَدٍ إِسْلَامِيٍّ إِذَا أُتِيحَ لَهُ المَجَالُ.

3ـ أَنْ يَخْتَارَ البَلَدَ الذي يُمَارِسُ فِيهِ دِينَهُ عَلَى قَدْرِ الاسْتِطَاعَةِ.

4ـ أَنْ يَكُونَ مُبْغِضًا للمُنْكَرَاتِ وَالقَوَانِينِ المُخَالِفَةِ للشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَالعَادَاتِ المَحْظُورَةِ شَرْعًا في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَّا كَانَ كَمَنْ وَقَعَ فِيهَا.

وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ أَخَذَ جِنْسِيَّةً في دَوْلَةٍ كَافِرَةٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالتُّقَى وَالصَّلَاحِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ القِيَامِ بِوَاجِبِ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، وَخِدْمَةِ الأَقَلِّيَّاتِ المُسْلِمَةِ هُنَاكَ. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: الزَّوَاجُ المُؤَقَّتُ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ نِكَاحِ المُتْعَةِ، وَقَدْ رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ.

وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ.

وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَيَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ المُسْلِمِ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ الإِقَامَةِ في تِلْكَ الدُّوَلِ أَوَّلًا، وَثَانِيًا أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ النِّكَاحِ ا لمُؤَقَّتِ، أَنَّهُ حَرَامٌ شَرْعًا، وَعَقْدٌ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الزَّوَاجَ الشَّرْعِيَّ هُوَ أَنْ يَعْقِدَ الإِنْسَانُ عَلَى امْرَأَةٍ بِنِيَّةِ الدَّيْمُومَةِ وَالاسْتِمْرَارِ، فَإِنْ صَلَحَتْ لَهُ الزَّوْجَةُ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِلَّا طَلَّقَهَا، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الزَّوَاجُ بِشَرْطِ عَدَمِ الدُّخُولِ، وَأَنْ يَكُونَ العَقْدُ بِمُقَابِلِ مَبْلَغٍ مِنَ المَالِ مِنْ أَجْلِ الحُصُولِ عَلَى الجِنْسِيَّةِ، فَالحُرْمَةُ في ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى. هذا، والله تعالى أعلم.