السؤال :
مَا حُكْمُ الذي يَسْتَوْرِدُ بِضَاعَةً ـ عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ ـ مِنَ الصِّينِ، وَيَكْتُبُ عَلَيْهَا صِنَاعَةُ دَوْلَةٍ أُخْرَى كَاليَابَانِ، أَو السُّوَيْدِ، أَو أَلَمَانْيَا، أو غَيْرِهَا مِنَ الدُّوَلِ، مَعَ العِلْمِ أَنَّهُ يَقُولُ للمُشْتَرِي: هَذِهِ بِضَاعَةٌ صِينِيَّةٌ؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَنْ يَنْصَحَ المُشْتَرِيَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12424
 2023-02-25

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمِنْ قَوَاعِدِ البَيْعِ وَالشِّرَاءِ في شَرِيعَتِنَا تَحْرِيمُ الغِشِّ بِكُلِّ صُوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَفي رِوَايَةٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

الغِشُّ يُنَافِي عِصْمَةَ أَمْوَالِ المُسْلِمِينَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ».

فَالغِشُّ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَمَضَارُّهُ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الفُقَهَاءُ مِنْ مَضَارِّ الغِشِّ:

1ـ أَنَّهُ طَرِيقٌ مُوصِلٌ إلى النَّارِ.

2ـ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى دَنَاءَةِ النَّفْسِ وَخُبْثِهَا.

3ـ أَنَّهُ يُبْعِدُ عَنِ اللهِ تعالى، وَعَنِ النَّاسِ.

4ـ أَنَّهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ عَدَمِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ.

5ـ أَنَّهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ مَحْقِ البَرَكَةِ في المَالِ وَالعُمُرِ.

6ـ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى نَقْصِ الإِيمَانِ.

وَهُوَ لَيْسَ مِنْ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: الدِّينُ النَّصِيحَةُ، وَقَدْ حَرَّضَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ النُّصْحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ  عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَأَنْ أَنْصَحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.

وَكَانَ إِذَا بَاعَ الشَّيْءَ أَوِ اشْتَرَاهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّ الَّذِي أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا أَعْطَيْنَاكَ، فَاخْتَرْ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالذي يَسْتَوْرِدُ بِضَاعَةً مِنَ الصِّينِ ـ عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ ـ وَيَكْتُبُ عَلَيْهَا: صِنَاعَةُ اليَابَانِ ـ مَثَلًا ـ أَو غَيْرِهَا مِنَ الدُّوَلِ، فَإِنَّ فِعْلَهُ هَذَا حَرَامٌ شَرْعًا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الغِشِّ، وَالغِشُّ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَإِذَا كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَقُولُ للمُشْتَرِي: هَذِهِ بِضَاعَةٌ صِينِيَّةٌ؛ فَالسُّؤَالُ لَهُ: لِمَاذَا إِذًا يَكْتُبُ عَلَيْهَا: صِنَاعَةُ اليَابَانِ؟

وَالذي يَسْتَوْرِدُ لَا يَبِيعُ إِلَّا بِالجُمْلَةِ غَالِبًا، وَلَو قَالَ لِبَائِعِ المُفَرَّقِ: هَذِهِ بِضَاعَةٌ صِينِيَّةٌ، هَلْ يَضْمَنُ أَنَّهُ يَقُولُ لِمَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ بِالمُفَرَّقِ: هَذِهِ بِضَاعَةٌ صِينِيَّةٌ؟

فَمَنْ رَغِبَ في بَرَكَةِ البَيْعِ فَلْيَصْدُقْ فِيهِ، وَلْيُبَيِّنْ للمُشْتَرِي حَقِيقَةَ السِّلْعَةِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى المَبِيعِ جِهَةً غَيْرَ الجِهَةِ المُصَنِّعَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في المُتَبَايِعَيْنِ: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ، لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللهِ، وَلَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لِذَلِكَ أَنْصَحُ هَذَا الأَخَ أَنْ يَتُوبَ إلى اللهِ تعالى، وَأَنْ يَكُونَ وَاضِحًا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الغِشُّ وَالتَّدْلِيسُ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا في قَوْلِهِ أَنَّهُ يَقُولُ للمُشْتَرِي: هَذِهِ بِضَاعَةٌ صِينِيَّةٌ؛ فَلْيَكْتُبْ عَلَيْهَا: بِضَاعَةٌ صِينِيَّةٌ؛ وَلَا يَكْتُبْ: بِضَاعَةٌ يَابَانِيَّةٌ؛ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ حِينَ يَبِيعُ لِبَائِعِي المُفَرَّقِ.

وَمَنْ عَلِمَ حَقِيقَةَ البِضَاعَةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ النُّصْحُ للمُشْتَرِي إِذَا كَانَ هَذَا الأَمْرُ لَا يُؤَدِّي إلى مَفْسَدَةٍ لَهُ. هذا، والله تعالى أعلم.