السؤال :
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12465
 2023-03-23

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَقُولُ اللهُ تعالى آمِرًا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾. أَمَرَهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِدَوَامِ التَّذْكِيرِ بِدَعْوَةِ الخَلْقِ إلى الحَقِّ، وَبِدُونِ إِبْطَاءٍ، أَو يَأْسٍ، بِاتِّبَاعِ الحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَالمُجَادَلَةِ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ.

وَقَدِ اسْتَفْرَغَ جُهْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في تَذْكِيرِهِمْ، وَمَا كَانُوا يَزِيدُونَ عَلَى زِيَادَةِ الذِّكْرَى إِلَّا عُتُوًّا وَطُغْيَانًا، وَكَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَلَظَّى حَسْرَةً عَلَيْهِمْ، وَيَزْدَادُ حِرْصًا عَلَى تَذْكِيرِهِمْ، حَتَّى قَالَ تعالى لَهُ: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ ذَمٌّ للمُشْرِكِينَ، وَإِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ، وَاسْتِبْعَادُ تَأْثِيرِ الذِّكْرَى فِيهِمْ، لِأَنَّهُ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ.

وَالحَقِيقَةُ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُمِرَ بِالتَّذْكِيرِ، نَفَعَتْهُمُ الذِّكْرَى أَوْ لَمْ تَنْفَعْهُمْ، وَالتَّقَيُّدُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾. تَحْرِيضٌ عَلَى قَبُولِ الذِّكْرَى، كَمَا يَقُولُ الإِنْسَانُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لَهُ الحَقَّ: قَدْ أَوْضَحْتُ لَكَ الأَمْرَ، إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ.

هَذِهِ الذِّكْرَى سَتَنْفَعُ مَنْ يَخْشَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَخَافُ عَذَابَهُ، وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ.

وَيَتَجَنَّبُ هَذِهِ الذِّكْرَى، وَيَبْتَعِدُ عَنْ هَذِهِ النَّصِيحَةِ، الإِنْسَانُ الشَّدِيدُ الشَّقَاوَةِ، الذي أَبَى إِلَّا الإِصْرَارَ عَلَى كُفْرِهِ وَعِنَادِهِ، هَذَا الشَّقِيُّ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى﴾. وَهِيَ نَارُ جَهَنَّمَ.

وَسُمِّيَتْ بِالنَّارِ الكُبْرَى لِأَنَّ الذي يَصْلَاهَا لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾. يَعْنِي: لَا يَمُوتُ فَيَسْتَرِيحُ، وَلَا يَحْيَا حَيَاةً سَعِيدَةً، وَإِلَّا فَهُمْ أَحْيَاءٌ في الوَاقِعِ، لَكِنَّهُمْ أَحْيَاءٌ مُعَذَّبُونَ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾.

وَسَمَّاهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِالنَّارِ الكُبْرَى، لِأَنَّ نَارَ الدُّنْيَا صُغْرَى بِالنِّسْبَةِ لِنَارِ الآخِرَةِ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ».

قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيْ: نَارُ الآخِرَةِ زَائِدَةٌ عَلَى نَارِ الدُّنْيَا بِتِسْعٍ وَسِتِّينَ ضِعْفًا؛ أَجَارَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ. هذا، والله تعالى أعلم.