السؤال :
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12669
 2023-08-07

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

يَقُولُ اللهُ تعالى في سُورَةِ الأَنْفَالِ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾.

وَجَاءَ في الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ الحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾. قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ، وَيَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْمَعَاصِي.

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ، إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ تُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ».

وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ».

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ».

وَفي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهَ، كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا مُثبِّتَ الْقُلُوبِ، ثبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ».

فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى أَمْلَكُ لِقُلُوبِ العِبَادِ مِنْهُمْ، وَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا إِذَا شَاءَ، حَتَّى لَا يَقْدِرَ ذُو قَلْبٍ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ تعالى وَمَشِيئَتِهِ، رَوَى ابْنُ مَاجَه عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ».

وَهَذَا فِرْعَوْنُ عِنْدَمَا شَاءَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَطْمِسَ عَلَى قَلْبِهِ طَمَسَ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ، فَرَبَّى سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في قَصْرِهِ.

وَصَدَقَ مَنْ قَالَ:

إِذَا لَمْ تُـصَادِفْ مِـنْ بَنِيكَ عِـنَايَةً   ***   فَـقَدْ كَذَبَ الرَّاجِي وَخَابَ المُؤَمِّلُ

فَمُوسَى الذي رَبَّاهُ جِبْرِيلُ كَافِرٌ    ***   وَمُوسَى الذي رَبَّاهُ فِرْعَوْنُ مُرْسَلُ

وَالمَقْصُودُ بِمُوسَى الذي رَبَّاهُ جِبْرِيلُ السَّامِرِيُّ. هذا، والله تعالى أعلم.