السؤال :
هَلْ يَجُوزُ للإِنْسَانِ الذي أَحْرَمَ بِالحَجِّ مُتَمَتِّعًا، وَلَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى ذَبْحِ الهَدْيِ، أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ عَوْدَتِهِ لِأَهْلِهِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12837
 2023-12-07

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمَنْ أَحْرَمَ بِالحَجِّ قَارِنًا أَو مُتَمَتِّعًا، وَجَبَ عَلَيْهِ الهَدْيُ، وَهُوَ ذَبْحُ شَاةٍ في الحَرَمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ قِيمَةَ الهَدْيِ فَإِنَّهُ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُنَادِيَ أَيَّامَ مِنًى: إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَلَا صَوْمَ فِيهَا؛ يَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ.

وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، قَالَا: «لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ، إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ».

ثَالِثًا: اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ في صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ.

فَقَالَ فُقَهَاءُ الحَنَابِلَةِ وَالمَالِكِيَّةِ بِجَوَازِ صِيَامِ هَذِهِ الأَيَّامِ، للحَدِيثِ الذي رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَعَائشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

أَمَّا فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ وَالقَوْلُ الجَدِيدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ صِيَامُ هَذِهِ الأَيَّامِ للنَّهْيِ الوَارِدِ في ذَلِكَ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالأَصْلُ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهَا، لِمَا رَوَاهُ الحَاكِمُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَرَّبَ إِلَيْهِمَا طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ.

فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ.

فَقَالَ عَمْرٌو: كُلْ، فَهَذِهِ الْأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا، وَيَنْهَانَا عَنْ صِيَامِهَا.

قَالَ مَالِكٌ: وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.

وَلِمَا رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ».

هَذَا الأَصْلُ في صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ للحَاجِّ المُتَمَتِّعِ أَو القَارِنِ فَإِنَّهُ يَصُومُهَا عِنْدَ الحَنَابِلَةِ وَالمَالِكِيَّةِ، وَلَا يَصُومُهَا عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ في القَوْلِ الجَدِيدِ. هذا، والله تعالى أعلم.