السؤال :
هَلْ يَجُوزُ إِنْهَاءُ حَيَاةِ إِنْسَانٍ بِسَبَبِ المَرَضِ المُزْمِنِ الذي لَا يُرْجَى شِفَاؤُهُ، بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ مِنْ وَسَائِلِ إِنْهَاءِ الحَيَاةِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12008
 2022-06-14

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ نَهَانَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَمَنِّي المَوْتِ لِضُرٍّ مَسَّنَا، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي». هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: لَقَدْ حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَتْلِ أَنْفُسِنَا إِذَا وَقَعَ عَلَيْنَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يُدْعَى بِالْإِسْلَامِ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ».

فَلَمَّا حَضَرْنَا الْقِتَالَ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا، فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرَّجُلُ الَّذي قُلْتَ لَهُ آنِفًا: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَإِنَّهُ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَدْ مَاتَ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِلَى النَّارِ».

فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ.

فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللهُ أَكْبُرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ».

وَفي حَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ (لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الأَلَمِ) فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ».

ثَالِثًا: المُؤْمِنُ إِذَا مَرِضَ، وَكَانَ مَرَضُهُ مُزْمِنًا لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى، وَلَا يُرْجَى شِفَاؤُهُ، هُوَ في الحَقِيقَةِ في ابْتِلَاءٍ وَاخْتِبَارٍ، يُكَفِّرُ اللهُ تعالى بِهِ مِنْ خَطَايَاهُ، وَيَرْفَعُ لَهُ في دَرَجَاتِهِ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهُ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ الإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ، أَو أَنْ يَطْلُبَ مِنْ شَخْصٍ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ قَتْلًا عَمْدًا.

وَالمَرْءُ الذي يُقْدِمُ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ يُخْشَى أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ قَدْ عُرِيَ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾.

وَإِذَا عَجِزَ الأَطِبَّاءُ عَنْ مُعَالَجِةِ المَرِيضِ، فَلَعَلَّ اللهَ تعالى يَجْعَلُ لَهُ شِفَاءً مِنْ عِنْدِهِ بِلَا سَبَبٍ، فَهُوَ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، أَو يُسَبِّبُ لَهُ دَوَاءً يُعَلِّمُهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ للطَّبِيبِ، لِأَنَّهُ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».

وَفِي رِوَايَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ». هذا، والله تعالى أعلم.