السؤال :
مَا صِحَّةُ حَدِيثِ: «إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا» وَمَا مَعْنَاهُ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12009
 2022-06-14

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وهُوَ حدِيثٌ ضَعِيفٌ.

وَرُبَّمَا يَشْرَحُهُ الحَدِيثُ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ عُلَمَاؤُهُ كَثِيرٌ، خُطَبَاؤُهُ قَلِيلٌ، مَنْ تَرَكَ فِيهِ عُشَيْرَ مَا يَعْلَمُ هَوَى ـ أَوْ قَالَ: هَلَكَ ـ وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَقِلُّ عُلَمَاؤُهُ، وَيَكْثُرُ خُطَبَاؤُهُ، مَنْ تَمَسَّكَ فِيهِ بِعُشَيْرِ مَا يَعْلَمُ نَجَا».

فَالحَدِيثُ الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى فِيهِ خِطَابٌ للصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، كَأَنَّهُ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّهَا الصَّحَابَةُ الكِرَامُ: إِنَّكُمْ في زَمَانٍ عَظِيمٍ مِنْ عِزَّةِ الإِسْلَامِ، وَأَمْنِ أَهْلِهِ، وَهُوَ زَمَنُ نُزُولِ الوَحْيِ، وَسَمَاعِ القُرْآنِ وَحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ، فَمَنْ تَرَكَ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ، وَمَنْ عَمِلَ نَجَا، ويُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا فِي أُمَّتِكَ الْيَوْمَ كَثِيرٌ.

قَالَ: «وَسَيَكُونُ فِي قُرُونٍ بَعْدِي» رَوَاهُ الحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَالدِّينُ في زَمَنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَزِيزٌ، وَالحَقُّ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَأَنصَارُهُ كَثِيرٌ، فَالتّرْكُ يَكُونُ تَقْصِيرًا، فَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالتَّهَاوُنِ.

ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانٌ يَضْعُفُ فِيهِ الإِسْلَامُ، وَيَتَّخِذُ فِيهِ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».

وَيَكْثُرُ الظَّلَمَةُ وَالفُسَّاقُ، وَيَقِلُّ أَنْصَارُ الحَقِّ، فَيُعْذَرُ المُسْلِمُونَ في التَّرْكِ، إِمَّا لِقِلَّةِ العُلَمَاءِ وَكَثْرَةِ الجُهَّالِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ القُدْرَةِ عَلَى العَمَلِ لَا للتَّقْصِيرِ، قَالَ تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالحَدِيثُ ضَعِيفٌ، وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ.

وَمَعْنَاهُ: كَأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُخَاطِبُ الصَّحَابَةَ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الصَّحَابَةُ في زَمَنِ عِزَّةِ الإِسْلَامِ وَقُوَّتِهِ، وَتُجَالِسُونَنِي، وَتَسْمَعُونَ كَلَامِي، وَتُشَاهِدُونَ مُعْجِزَاتِي، فَلَو تَرَكْتُمْ شَيْئًا مِمَّا أُمِرْتُمْ بِهِ فَلَا عُذْرَ لَكُمْ، لِأَنَّ التَّرْكَ في ذَاكَ الوَقْتِ تَقْصِيرٌ.

وَأَمَّا في آخِرِ الزَّمَانِ فَيَضْعُفُ الإِسْلَامُ، وَيَقِلُّ العُلَمَاءُ، وَيَكْثُرُ الظَّلَمَةُ وَالفُسَّاقُ، وَيَعُمُّ الجَهْلُ، وَيَضِيعُ الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، فَهُمْ في ذَاكَ الوَقْتِ مَعْذُورُونَ.

وَللهِ الحَمْدُ أَنَّنَا لَمْ نَصِلْ إلى هَذَا الزَّمَانِ، فَالعُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ كَثِيرُونَ في زَمَانِنَا، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ قَائِمٌ بِحَمْدِ اللهِ تعالى، فَلَا عُذْرَ في التَّرْكِ، وَالتَّرْكُ عَيْنُ التَّقْصِيرِ، وَالمُلْتَزِمُ في هَذَا العَصْرِ لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، للحَدِيثِ الذي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ، كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾؟

قَالَ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ ـ يَعْنِي ـ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ».

وَزَادَنِي غَيْرُهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟

قَالَ: «أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ». هذا، والله تعالى أعلم.