السؤال :
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾. كَيْفَ يَكُونُ الإِيذَاءُ للهِ تعالى، وَحَاشَاهُ أَنْ يَصِلَ لَهُ ضُرٌّ مِنَ الخَلْقِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12068
 2022-07-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالحَقِيقَةُ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُؤْذِيَ اللهَ تعالى، لِقَوْلِهِ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: « يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: الإِيذَاءُ للهِ تعالى أَمْرٌ حُكْمِيٌّ مَجَازِيٌّ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِسَبِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَو سَبِّ مَا يُقَدِّرُهُ اللهُ تعالى، أَو الإِلْحَادِ في أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، أَو بِاسْتِخْفَافِ مَعْصِيَةٍ، أَو أَنْ يَنْسِبَ إِلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَقَدْ جَاءَ في الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ».

يَعْنِي: أَنَّ اللهَ تعالى هُوَ صَاحِبُ الدَّهْرِ، وَهُوَ مُدَبِّرُ الأُمُورِ، فَمَنْ سَبَّ الدَّهْرَ عَادَ سَبُّهُ إلى رَبِّهِ الذي لِأَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى هُوَ مُقَّدِرُ تِلكَ الأُمُورِ، وَهُوَ الفَاعِلُ عَلى الَحقِيْقَةِ، وَإِنَّمَا الدَّهْرُ زَمَانٌ جَرَتْ فِيْهِ تِلْكَ الأُمُورُ.

وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في هَذِهِ الآيَةِ: هُمُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالمُشْرِكُونَ، فَأَمَّا اليَهُودُ فَقَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ، وَيَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ، وَقَالُوا: إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ؛ وَأَمَّا النَّصَارَى فَقَالُوا: المَسِيحُ ابْنُ اللهِ وَثَالِثُ ثَلَاثَةٍ؛ وَأَمَّا المُشْرِكُونَ فَقَالُوا: المَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ وَالأَصْنَامُ شُرَكَاؤُهُ.

وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ».

وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ».

وَفي رِوَايَةٍ للطَّبَرَانِيِّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْعَدَاوَةِ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَاللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَلْحَقَهُ أَذًى مِنْ أَحَدٍ، فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالكُلُّ عَبْدٌ لَهُ، قَالَ تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾.

وَالمَقْصُودُ بِالأَذَى: مُخَالَفَةُ أَمْرِ اللهِ تعالى، وَارْتِكَابُ مَعَاصِيهِ مَعَ الاسْتِحْلَالِ لَهَا، وَأَنْ يَنْسِبَ العَبْدُ شَيْئًا لَا يَلِيْقُ بِذَاتِ رَبِّهِ القُدْسِيَّةِ. هذا، والله تعالى أعلم.