الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدِ اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى انْعَقَدَ الإِحْرَامُ، لَزِمَتْ مُتَابَعَةُ أَدَاءِ المَنَاسِكَ التي نَوَاهَا المُحْرِمُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ، وَلَا تُلْغَى النِّيَّةُ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ﴾.

وَكَانَ عَلَى هَذَا الإِنْسَانِ الاشْتِرَاطُ في الإِحْرَامِ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الظُّرُوفِ، وَالاشْتِرَاطُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ إِحْرَامِهِ: إِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسَنِي.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَهَذَا الإِنْسَانُ صَارَ بِحُكْمِ المُحْصَرِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، وَيَبْعَثُ شَاةً تُذْبَحُ في الحَرَمِ، أَو يَبْعَثُ بِثَمَنِهَا لِتُشْتَرَى بِهِ، ثُمَّ تُذْبَحُ هُنَاكَ، وَيَضْرِبُ للذَّبْحِ مَوْعِدًا يَتَحَلَّلُ بَعْدَهُ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَذْبَحُهَا في المَوْضِعِ الذي مُنِعَ عِنْدَهُ دُخُولَ مَكَّةَ، وَيُوَزِّعُهَا للفُقَرَاءِ، وَلَا حَاجَةَ إلى أَنْ يُرْسِلَهَا إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ.

وَاتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الحَجِّ في المُسْتَقْبَلِ عِنْدَمَا يَتَمَكَّنُ مِنَ العَوْدَةِ إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.