طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».
وَيَقُولُ القَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي صِفَةِ التَّغْيِيرِ، فَحَقُّ الْمُغَيِّرِ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ زَوَالَهُ بِهِ قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا ؛ فَيَكْسِرُ آلَاتِ الْبَاطِلِ، وَيُرِيقُ الْمُسْكِرَ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يَفْعَلُهُ، وَيَنْزِعُ الْغُصُوبَ وَيَرُدُّهَا إِلَى أَصْحَابِهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِأَمْرِهِ إِذَا أَمْكَنَهُ وَيَرْفُقُ فِي التَّغْيِيرِ جَهْدَهُ بِالْجَاهِلِ وَبِذِي الْعِزَّةِ الظَّالِمِ المَخُوفِ شَرُّهُ؛ إِذْ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى قَبُولِ قَوْلِهِ.
كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُتَوَلِّي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ لِهَذَا المَعْنَى، وَيُغْلِظَ عَلَى الْمُتَمَادِي فِي غَيِّهِ، وَالْمُسْرِفِ فِي بَطَالَتِهِ؛ إِذَا أَمِنَ أَنْ يُؤَثِّرَ إِغْلَاظُهُ مُنْكَرًا أَشَدَّ مِمَّا غَيَّرَهُ لِكَوْنِ جَانِبِهِ مَحْمِيًّا عَنْ سَطْوَةِ الظَّالِمِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَغْيِيرَهُ بِيَدِهِ يُسَبِّبُ مُنْكَرًا أَشَدَّ مِنْهُ مِنْ قَتْلِهِ أَوْ قَتْلِ غَيْرِهِ بِسَبَبٍ كَفَّ يَدَهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَالْوَعْظِ وَالتَّخْوِيفِ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يُسَبِّبَ قَوْلُهُ مِثْلَ ذَلِكَ غَيَّرَ بِقَلْبِهِ، وَكَانَ فِي سَعَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ اسْتَعَانَ. اهـ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِذَا كَانَ هَذَا حَقًّا وَصِدْقًا، وَلَيْسَ تَخَيُّلًا وَلَا تَوَهُّمًا، وَلَيْسَ كَيْدًا وَلَا حِقْدًا، وَكَانَ حَقِيقَةً، فَهِيَ لَيْسَتْ بِآثِمَةٍ إِنْ أَخْبَرَتْ زَوْجَهَا، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا شَرْعًا، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ.
وَيَبْقَى الابْنُ عَلَى عَلَاقَتِهِ مَعَ أُمِّهِ، وَلَا يَهْجُرُهَا، لِأَنَّ هَجْرَهَا قَدْ يُؤَدِّي إلى تَمَادِيهَا في غَيِّهَا، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى بَنَاتِهِ وَأَبْنَائِهِ مِنْ شَرِّهَا. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |