السؤال :
هَلْ يَجُوزُ الاطِّلَاعُ عَلَى كُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ لِمَعْرِفَةِ مَا فِيهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12163
 2022-09-09

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَإِنَّ جَمِيعَ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ المَوْجُودَةِ اليَوْمَ مَا عَدَا القُرْآنَ لَيْسَتْ كَمَا أَنْزَلَهَا اللهُ تعالى، فَقَدْ دَخَلَ فِيهَا التَّحْرِيفُ وَالكَذِبُ، وَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، وَقَوْلُ مَا لَا يَلِيقُ بِاللهِ تعالى، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ العَزِيزِ، فَقَالَ: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ وَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ ـ أَيْ: مُتَحَيِّرُونَ ـ فِيهَا يَا بْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي».

ثَالِثًا: لَقَدْ أَغْنَى اللهُ تعالى المُسْلِمِينَ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ عَنْ جَمِيعِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ السَّابِقَةِ، حَيْثُ حَفِظَهُ مِنْ كُلِّ تَغْيِيرٍ وَتَبْدِيلٍ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. وَأَغْنَاهُمْ بِشَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّاسِخَةِ لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ أَكْمَلُهَا وَأَعْظَمُهَا وَأَنْفَعُهَا للعِبَادِ وَالبِلَادِ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالاطِّلَاعُ عَلَى الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ السَّابِقَةِ المُحَرَّفَةِ يَخْتَلِفُ مِنْ شَخْصٍ لِآخَرَ:

فَإِنْ كَانَ المُطَّلِعُ عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الاخْتِصَاصِ، وَيُرِيدُ تَفْنِيدَ مَا فِيهَا مِنْ بَاطِلٍ فَهَذَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقَدْ أَغْنَى اللهُ تعالى الأُمَّةَ مِنْ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ المُتَخَصِّصِينَ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ عَامَّةِ المُسْلِمِينَ الذينَ لَا ثَقَافَةَ لَهُمْ، فَهَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُمُ الاطِّلَاعُ عَلَيْهَا، لِعَدَمِ الفَائِدَةِ لَهُمْ، وَلِلْخَوْفِ مِنَ التَّشْوِيشِ عَلَيْهِمْ؛ وَعَلَى أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الإِكْثَارُ مِنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَالاطِّلَاعُ عَلَى سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهِيَ الحَارِسُ الأَمِينُ لِعَقِيدَةِ المُسْلِمِ. هذا، والله تعالى أعلم.