السؤال :
هَل لِلمُسْلِمِ شَفَاعَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12164
 2022-09-09

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالشَّفَاعَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَا تَكُونُ لِأَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾.

فَالشَّفَاعَةُ مُقَيَّدَةٌ بِالرِّضَا وَالإِذْنِ، وَلَا يَحِقُّ لِأَيِّ مَخْلُوقٍ أَنْ يَشْفَعَ لِأَحَدٍ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مَرْضِيًّا عَنْهُ مِنْ قِبَلِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: أَمَّا الشُّفَعَاءُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالمُرْسَلُونَ صَلَوَاتُ اللهِ تعالى عَلَيْهِمْ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ» رَوَاهُ التِّرْمذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ غَيْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشُّفَعَاءِ.

وَمِنَ الشُّفَعَاءِ الشُّهَدَاءُ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَقَادَعُ بِهِمْ جَنَبَتَا الـصِّرَاطِ تَقَادُعَ الْفَرَاشِ فِي النَّارِ» .تَقَادُعَ: مُخَـفَفٌ مِن "تَتَقَادَعُ "، أَي: تُسقِطُهم فِيها بَعْضَهُم فَوقَ بَعْضٍ.

قَالَ: «فَيُنْجِي اللهُ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ».

قَالَ: «ثُمَّ يُؤْذَنُ لِلْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ أَنْ يَشْفَعُوا فَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ».

وَزَادَ عَفَّانُ مَرَّةً فَقَالَ أَيْضًا: «وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً مِنْ إِيمَانٍ».

وَفي رِوَايَةٍ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى إِنَّهُ لَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ فَيَشْفَعُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الْأَنْبِيَاءَ، قَالَ: فَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الشُّهَدَاءَ فَيَشْفَعُونَ لِمَنْ أَرَادُوا، قَالَ: فَإِذَا فَعَلَتِ الشُّهَدَاءُ ذَلِكَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا، قَالَ: فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ».

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ».

وَمِنَ الشُّفَعَاءِ المُؤْمِنُونَ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ ـ في حَدِيثٍ طَوِيلٍ ـ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالشَّفَاعَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أَعْظَمِ الرَّحَمَاتِ التي يَمُنُّ اللهُ تعالى بِهَا عَلَى عِبَادِهِ، وَأَعْظَمُ الشَّفَاعَاتِ التي تَجْرِي في ذَلِكَ اليَوْمِ شَفَاعَةُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، للخَلَاصِ مِنْ هَوْلِ المَوْقِفِ، وَتَعْجِيلِ الحِسَابِ للفَصْلِ بَيْنَ العِبَادِ، وَهِيَ خَاصَّةٌ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَهُنَاكَ شَفَاعَاتٌ أُخْرَى، مِنْهَا شَفَاعَةُ المَلَائِكَةِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالمُؤْمِنِينَ، وَأَسْعَدُ النَّاسِ بِالشَّفَاعَةِ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ حِسَابٍ ـ جَعَلَنَا اللهُ تعالى مِنْهُمْ ـ ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ، وَهُمُ الذينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ بَعْدَ أَنْ يُحَاسَبُوا، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ وَهُمُ الذينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بَعْدَ الحِسَابِ وَالعَذَابِ؛ أَجَارَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ هَذَا. هذا، والله تعالى أعلم.